الدعم النفسي للناجين من الاعتقال: خطوة نحو التعافي

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - SY24

في سرمدا، شمال إدلب، أطلقت الجمعية الألمانية السورية (DSV) مشروع العلاج النفسي عبر الإنترنت، بهدف تقديم استشارات نفسية ودعم اجتماعي لجميع الفئات، مع التركيز على الناجين من الاعتقال حديثًا. يتيح المشروع سهولة الوصول إلى الخدمات مع ضمان السرية التامة، مما يسهم في توفير بيئة علاجية آمنة وفعالة للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية ناتجة عن سنوات الاعتقال والتعذيب.

الناجون بين صدمة الاعتقال وواقع ما بعد الإفراج

يؤكد الأخصائي النفسي إسماعيل الكلزي، في حديث خاص لمنصة سوريا 24، أن المشروع يستهدف البالغين فوق 18 عامًا، مع إمكانية استفادة الأطفال تحت إشراف أولياء أمورهم. ويوضح أن الحاجة إلى الدعم النفسي لا تقتصر على ضغوط الحياة اليومية، بل تشمل الناجين من الاعتقال الذين يواجهون تحديات نفسية مركّبة، مثل صدمة الخروج وعدم القدرة على التكيف مع الواقع الجديد.

المعاناة النفسية تمتد إلى عائلات المعتقلين

إلى جانب المعتقلين المحرَّرين، تعاني عائلاتهم أيضًا من صدمات نفسية شديدة، خاصة عندما يكتشفون أن أبناءهم قد قُتلوا خلال الاعتقال وأُخفيت جثثهم، مما يولّد إحساسًا بالحزن العميق وانعدام العدالة. يوضح المعالج النفسي خالد أبي زيد أن بعض الناجين يواجهون “صدمة عدم التصديق”، حيث يقابلون أحيانًا بالشك أو التجاهل من المجتمع، مما يعزز إحساسهم بالعزلة والانفصال.

تجربة نفسية مؤلمة: شهادة من والد أحد الناجين

يقول أبو سامر، المقيم في مدينة إدلب، وهو والد أحد الناجين المحرَّرين حديثًا: “ابني لم يعد كما كان قبل الاعتقال. عاد بجسد حي، لكن روحه مثقلة بالخوف والكوابيس، لا ينام لياليه دون أن يستيقظ مذعورًا، وعزل نفسه عن الجميع، حتى عن عائلته. يحاول التظاهر بالقوة، لكنه يكسر الأشياء دون وعي، ويتجنب الحديث عن أي شيء يذكّره بالماضي. نحن عاجزون عن مساعدته، وكل ما نريده هو أن يجد طريقه للتعافي”.

اضطرابات ما بعد الصدمة وسبل العلاج

يوضح المعالج النفسي خالد أبو زيد، في حديثه إلى منصة سوريا 24، أن هذه التجارب الصادمة تؤدي إلى اضطرابات نفسية معقدة، أبرزها اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، والذي يظهر في استرجاع الذكريات المؤلمة، وتجنّب الأماكن والأشخاص المرتبطين بالحدث، والتغيرات الحادة في المزاج. ويقول إن العلاج يعتمد على أساليب متعددة، مثل العلاج المعرفي السلوكي (CBT) الذي يساعد الأفراد على إعادة بناء أفكارهم السلبية وتطوير آليات للتكيف، إضافة إلى المتابعة الطبية للحالات التي تتطلب تدخّلًا دوائيًا.

نحو إعادة الاندماج المجتمعي والتعافي النفسي

يضيف أبو زيد أنه لا يكفي تقديم جلسات علاج نفسي فردية فقط، بل لا بدّ من جهود مجتمعية تساهم في رفع الوعي بالصحة النفسية وتقليل الوصمة الاجتماعية المرتبطة بها. وتمثل مشاريع مثل تلك التي تقدمها الجمعية الألمانية السورية خطوة هامة في هذا الاتجاه، حيث توفر بيئة آمنة وسرية للمحتاجين، مما يساعد في إعادة بناء حياة الناجين وعائلاتهم بعد سنوات من الألم والمعاناة.

كما أكد الأخصائي النفسي إسماعيل الكلزي على إمكانية الحصول على خدمات العلاج النفسي عبر الإنترنت لأي شخص يعاني من مشاكل نفسية ويشعر بأنه بحاجة إلى استشارة نفسية من مختصين من كلا الجنسين، وبشكل مجاني، حيث يمكنه التواصل مع فريق العلاج النفسي.

إذ إن تقديم الدعم النفسي ليس مجرد علاج فردي، بل هو خطوة نحو إعادة بناء الإنسان والمجتمع، وإعطاء الناجين فرصة حقيقية للبدء من جديد بعيدًا عن شبح الماضي. فلا يقتصر التعافي من آثار الاعتقال والتعذيب على استعادة الحرية الجسدية فحسب، بل يتطلب دعمًا نفسيًا مكثفًا لمحو آثار الصدمات العميقة التي تراكمت عبر السنوات. ورغم الجهود المبذولة من قبل المبادرات الإنسانية، لا تزال الحاجة ملحّة إلى توسيع نطاق هذه الخدمات وضمان استمراريتها، خاصة في ظل تزايد أعداد الناجين الذين يواجهون تحديات نفسية واجتماعية معقدة.

مقالات ذات صلة