يحل عيد المعلم في سوريا هذا العام وسط معاناة متزايدة يعيشها المعلمون، مع أمل بتحسن قريب، حيث لم تعد مهنة التعليم تضمن لهم حياة كريمة، في ظل انخفاض الرواتب التي لا تتناسب مع تكاليف المعيشة المتزايدة. كثير من المعلمين وجدوا أنفسهم مجبرين على البحث عن أعمال إضافية خارج أوقات الدوام المدرسي، في مجالات شاقة كالبناء والحراسة والعمل في المطاعم الشعبية، وحتى البيع في المحلات التجارية، فقط لتأمين أبسط الاحتياجات اليومية.
راتب لا يكفي لأسبوع.. والمعلم يبحث عن بدائل
في حديثه لمنصة سوريا 24، يقول محمد الخطيب، معلم في إحدى مدارس ريف دمشق، إن راتبه الشهري لا يتجاوز 400 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 40 دولارًا أمريكيًا فقط، وهو مبلغ بالكاد يكفي لأيام معدودة في ظل الغلاء الفاحش. “أضطر للعمل مساءً في حراسة أحد المستودعات، رغم أني أمضيت سنوات في الدراسة للحصول على هذه الوظيفة. لكن ماذا أفعل؟ لا يمكنني ترك أطفالي بلا طعام”، يضيف بحسرة.
أما خالد العلي، وهو معلم للمرحلة الابتدائية في بلدة معربا بريف دمشق، فقد اختار العمل في مطعم بعد انتهاء دوامه المدرسي، ويقول في حديثه إلى سوريا 24: “العمل الإضافي أصبح ضرورة وليس خيارًا بسبب الوضع السيئ الذي نعيشه كمعلمين ومسؤولين عن أسرنا وأطفالنا. الراتب وحده لا يكفي، فغلاء المواصلات بات يستنزف نصفه”.
تأثير نفسي سلبي واستنزاف للطاقات
إلى جانب الأعباء الاقتصادية، يشير معلمون إلى أن ضغوط العمل الإضافي أثرت بشكل كبير على صحتهم النفسية والجسدية، فضلًا عن انعكاسها على قدرتهم في تقديم التعليم بجودة مقبولة.
تقول ندى، معلمة لغة إنجليزية في مدينة برزة، إنها تعود إلى منزلها منهكة بعد يوم دراسي يتبعه عمل مسائي، مما يحد من قدرتها على التحضير للدروس أو متابعة طلابها بالشكل المطلوب: “التعليم مهنة تحتاج إلى طاقة وتركيز، لكن كيف يمكنني أن أعطي وأنا بالكاد أجد وقتًا للراحة؟”
المعلم.. عماد المجتمع لكن بلا تقدير
لطالما كان المعلمون عماد المجتمعات وبناة الأجيال، لكن أوضاعهم الحالية تعكس تناقضًا مؤلمًا بين دورهم المهم ومستوى المعيشة الذي يواجهونه. ففي معظم الدول، يتم الاحتفاء بالمعلم وتقدير جهوده ماديًا ومعنويًا، بينما في سوريا، يبدو أن المعلم بات يعاني أكثر من أي وقت مضى، وسط تراجع الاهتمام بالقطاع التعليمي ككل.
استمرار المعاناة دون حلول جذرية
ويشير عماد، وهو معلم سابق تخلى عن مهنة التعليم العام الماضي رغم حبه لها، إلى أن الظروف التي عاشها المعلم جعلته يبحث عن أي عمل آخر يضمن له دخلًا ماديًا مقبولًا يعينه في تأمين احتياجات أسرته وأطفاله.
عماد ليس الوحيد الذي ترك مهنة التعليم، فقد رصدت منصة سوريا 24 في تقاريرها السابقة استقالات جماعية شهدتها مهنة التعليم خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى تحديات أخرى واجهها المعلم، في ظل ما وصفه البعض بـ”التضييق الممنهج”، الذي أدى إلى فصل الكثير من المعلمين خلال السنوات الماضية.
وأضاف عماد أن استمرار هذا الوضع قد يدفع المزيد من المعلمين إلى ترك المهنة نهائيًا، ما لم يتم تحسين أوضاعهم ورد الاعتبار لمهنة التعليم، وهو ما يشكل خطرًا حقيقيًا على مستقبل التعليم في البلاد
.
إجراءات حكومية.. هل تكفي؟
وفقًا لتقرير نشرته سوريا 24 يوم أمس، نقلًا عن مدير التنمية الإدارية في وزارة التربية، خالد الخالد، فإن الوزارة تتخذ إجراءات جديدة لتحسين بيئة التعليم، ورفع كفاءة الكوادر التربوية، وإعادة توزيع المعلمين بشكل أكثر عدالة، في إطار إصلاحات تهدف إلى استقرار العملية التعليمية.
كما كشف الخالد عن إجراءات جديدة لإعادة المفصولين عن العمل لأسباب أمنية خلال الثورة السورية، بالتعاون مع وزارة التنمية الإدارية، في خطوة تهدف إلى إعادة دمج هؤلاء الأفراد في المجتمع والاستفادة من خبراتهم في العملية التعليمية.
وأوضح أن هذه الإجراءات تأتي ضمن رؤية الوزارة لتحسين جودة التعليم وتعزيز الاستقرار الإداري، ما سينعكس إيجابًا على مستوى التعليم في سوريا خلال المرحلة القادمة
في ظل هذه الظروف، يبقى المعلم السوري بين مطرقة الأعباء الاقتصادية وسندان تراجع الاهتمام الحكومي بمشاكله، وسط غياب حلول جذرية تضمن له حياة كريمة تتناسب مع حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه. وبينما تتحدث الحكومة عن إصلاحات قادمة، ينتظر المعلمون أفعالًا ملموسة تعيد لهم الاعتبار قبل أن تفقد البلاد المزيد من كوادرها التعليمية.