أثارت تصريحات قضائية لبنانية حول استعداد الحكومة اللبنانية لتسليم أكثر من سبعمئة سجين سوري إلى الحكومة السورية جدلًا واسعًا، وسط مخاوف من تسييس الملف وترك مصير أكثر من ألف وخمسمئة معتقل آخرين في طيّ النسيان.
وفيما أكدت “مبادرة سوريون عبر السجون” في بيان لها، وصلت نسخة منه إلى منصة سوريا ٢٤، أن هذا الإعلان يثير “هواجس وتساؤلات”، عبّر معتقلون في سجن رومية عن قلقهم البالغ من الغموض الذي يكتنف مصيرهم، مطالبين بشمولية التسليم لجميع السجناء دون استثناء.
تصريح قضائي يشعل النقاش
نقلت وكالة “أ ف ب” عن مسؤول قضائي لبناني قوله إن “لبنان مستعد لتسليم أكثر من سبعمئة سجين سوري من أصل أكثر من ألفي سجين يقبعون في السجون اللبنانية”.
ودفع هذا التصريح، الذي جاء دون تفاصيل إضافية حول هوية المعتقلين أو معايير اختيارهم، “مبادرة سوريون عبر السجون” إلى وضع جملة من التساؤلات أمام الحكومتين السورية واللبنانية والرأي العام.
ومن بين هذه التساؤلات: هل تشمل هذه الخطوة المعتقلين السياسيين المتهمين بالإرهاب؟ ولماذا تم تجاهل مصير نحو ألف وخمسمئة سجين آخرين؟ وهل هناك نيّة لاستثناء معتقلي الثورة السورية تحت ذرائع واهية؟
وأشار البيان إلى مخاوف جدية من أن يكون التسليم محصورًا بأصحاب الأحكام الخفيفة أو من شارفت محكومياتهم على الانتهاء، فيما يُترك السجناء السياسيون المتهمون بجنايات خارج هذه العملية، ما قد يشكّل “التفافًا” على قضية المعتقلين على خلفية الثورة السورية.
صوت من داخل سجن رومية
ونقل محمد خالد، أحد نزلاء سجن رومية، في حديث لمنصة سوريا ٢٤، قلق ومخاوف واستغراب السجناء العميق إزاء هذه التطورات: “لدينا هواجس ومخاوف وقلق شديد من هذا الإجراء، وهناك لغط كبير وغموض حول مصير جميع السجناء السياسيين، بمن فيهم نحن هنا في رومية”.
وأضاف: “نطالب الحكومة السورية، في حال أرادت تطبيق الاتفاق، أن تؤكد على تسليم جميع المساجين في السجون اللبنانية، وليس فقط سبعمئة سجين”.
وأشار خالد إلى أن الخبر تسبب بحالة من الصدمة والاستغراب بين السجناء، خاصة مع تحديد رقم سبعمئة دون توضيح معايير الاختيار، متسائلًا: “لماذا سبعمئة فقط؟ من سيتم تسليمه؟ أغلب الظن أنهم أصحاب تهم خفيفة، بينما قد يُستثنى معتقلو الثورة”.
وكشف أن عدد السجناء السوريين الفعلي في لبنان يبلغ ألفين وثلاثمئة وخمسين، وليس ألفين كما ذكر المسؤول القضائي، مؤكدًا أنه لم يتم إبلاغهم رسميًا بأي تفاصيل، وأن الخبر وصلهم عبر وسائل الإعلام.
دعوات لمقاربة إنسانية
وفي سياق متصل، طالبت “مبادرة سوريون عبر السجون” الحكومة اللبنانية بمقاربة الملف بمنظور إنساني بعيدًا عن التسييس، داعيةً إلى تسليم جميع السجناء السوريين دون استثناء إلى بلدهم.
كما حثّت الحكومة السورية على أخذ زمام المبادرة لاسترداد كافة مواطنيها من السجون اللبنانية، مشيرةً إلى أن سجون سوريا قد “تبيّضت” بالكامل بعد سقوط النظام السابق، في إشارة إلى الإفراج عن المعتقلين هناك.
ردود فعل حقوقية وشعبية
ولم تقتصر التطورات على البيانات الرسمية، فقد شهدت الساحتان اللبنانية والسورية، مؤخرًا، حراكًا واسعًا، حيث نظّم أهالي المعتقلين وناشطون وقفات احتجاجية للمطالبة بالإفراج الفوري عن ذويهم، فيما أعلن المعتقلون في سجن رومية إضرابًا عن الطعام، لاقى تضامنًا من منظمات حقوقية.
وفي بيان لها، طالبت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” الحكومتين باتخاذ إجراءات عاجلة لإنهاء معاناة المعتقلين، مشيرةً إلى وجود مئة وتسعين معتقلًا على خلفية الثورة السورية ضمن السجون اللبنانية.
اتفاق لم يُنفذ
يُذكر أن وزارة الخارجية السورية أعلنت في كانون الثاني/يناير الماضي عن اتفاق مع لبنان لاسترداد جميع المعتقلين السوريين، لكن الإعلان الأخير عن تسليم سبعمئة سجين فقط أعاد فتح النقاش حول جدية تنفيذ هذا الاتفاق.
ومع استمرار الغموض، تبقى أنظار المعتقلين وأسرهم معلّقة على المفاوضات المقبلة بين دمشق وبيروت، وسط آمال بأن تشمل أي خطوة مستقبلية الجميع دون استثناء، لإنهاء فصول معاناة امتدت لسنوات.