منصات تحت المجهر: التقنية في خدمة سرديات ماحصل في الساحل السوري

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - SY24

مع تصاعد الأحداث الدامية في الساحل السوري خلال أوائل آذار/مارس 2025، شهدت منصات التواصل الاجتماعي موجة غير مسبوقة من التفاعل الرقمي، تمثلت في انتشار وسوم مناهضة للإدارة السورية الجديدة، أبرزها وسم “#الجولاني_سفاح_سوريا”، رغم أن المواجهات على الأرض جرت بين القوات الحكومية ومجموعات مسلحة محسوبة على النظام البائد.

ترافق هذا التفاعل مع تداول مكثف لمقاطع فيديو وصور وادعاءات ثبت لاحقًا زيف بعضها أو إخراجها من سياقها الزمني والمكاني، في مقابل منشورات أخرى استندت إلى سرديات حقوقية موثوقة ووثائق مفتوحة المصدر، عكست محاولات جادة لتوثيق حقيقة ما جرى.

نشاط مزيف

وفق تحقيق أجرته “منصة التحقق العربي”، فإن الارتفاع المفاجئ في استخدام وسم “#الجولاني_سفاح_سوريا” بين 6 و9 آذار/مارس لم يكن وليد الصدفة، بل ارتبط بأنماط نشاط رقمية منسقة. خلال أربعة أيام فقط، تجاوز عدد المنشورات 75.9 ألفًا، بزيادة بلغت 138% عن الفترات السابقة، وبلغت ذروة الحملة في 9 آذار أكثر من 11 ألف منشور خلال 24 ساعة. كما بلغ إجمالي الوصول 147 مليون مشاهدة، أي بزيادة قدرها 239%.

تحليل نوعية المنشورات أظهر أن أكثر من نصفها كان من نوع “إعادة النشر” (Reposts)، مقابل نسبة محدودة جدًا من المحتوى الأصلي، ما يشير إلى استخدام أدوات تضخيم رقمي وعمليات تضليل منظمة. 

مقاطع مضللة وحقائق موثقة

باستخدام أدوات المصادر المفتوحة وتحليل البيانات الوصفية، أمكن التحقق من أن بعض المقاطع المصورة المنتشرة كانت قديمة أو من خارج المنطقة الجغرافية للأحداث:

  • مقطع يظهر معتقلين داخل شاحنة، زُعم أنه يوثق اعتقال “أسرى على يد القوات الحكومية”، تبين لاحقًا أنه يعود إلى عملية نقل معتقلين تمت في محافظة اللاذقية عام 2019.
  • صورة لطفلة مضرجة بالدماء تم تداولها على نطاق واسع باعتبارها من مجازر بانياس الأخيرة، في حين أن الصورة تعود إلى حادثة قصف جوي على ريف إدلب عام 2016.

في المقابل، كانت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” وثقت انتهاكات جسيمة بحق المدنيين في الساحل، شملت إعدامات ميدانية وقصف مناطق سكنية، نفذتها فصائل محسوبة على القوات الحكومية.

شبكات تأثير رقمية واستخدام طائفي للسرديات

من خلال تحليل الشبكات الرقمية، كُشف عن مجموعة محدودة من الحسابات قادت عملية الانتشار بشكل متزامن، من أبرزها حسابات: @property_Assets، @alsisioffice، @KingAlhaj، و@alkindy2073، والتي رغم أنها غير معروفة جماهيريًا، لعبت دورًا محوريًا في إشعال النقاش وتوجيه الرسائل الطائفية.

أحد الحسابات، على سبيل المثال، نشر محتوى يقارن بين الأحداث الجارية وواقعة كربلاء، في محاولة لاستحضار مشاعر طائفية وتأجيج السرديات الدينية. فيما استخدمت حسابات أخرى صورًا لأحمد الشرع، أو منشورات تستنسخ هتافات الثورة السورية، لتبدو الحملة كما لو كانت امتدادًا لحراك شعبي، بينما تم استخدامها في سياق مضاد.

تكرار لمحاولات تشويه الثورة

الصحفي ومدير منصة “تأكد”، أحمد بريمو، علّق على هذه الحملة بقوله إن مثل هذه الحملات غالبًا ما تتكرر بصيغ متعددة، وتضم أشخاصًا حقيقيين، لكنها لا تخلو من إدارة ممنهجة.

وأضاف في حديثه لمنصة “سوريا 24” أنه: “في كل حملة رقمية، هناك عناصر حقيقية، وغالبًا ما تركز هذه الحملات على شخصيات محددة، سواء كانت سياسية أو إعلامية أو حتى فنية. في حالة وسم #الجولاني_سفاح_سوريا، يمكن القول إن هناك محاولة لإعادة توظيف سرديات الثورة السورية – من شعارات وهتافات ولافتات – خاصة في المظاهرات خارج سوريا، أو من خلال الصور والمنشورات التي تحمل وجوهًا مثل أحمد الشرع أو الجولاني”.

وتابع بريمو: “هناك دائمًا ميل للمساواة في السرديات، عبر تحميل الطائفتين السنية والعلوية مسؤولية المقتلة السورية، وهو طرح غير دقيق. كما أن بعض هذه الحملات تهدف إلى خلق مقارنة غير منطقية بين الضحايا والجلادين، وربما تهدف إلى التأسيس لسردية ‘ثورة مضادة’ بوجه السلطة الجديدة”.

ورغم حقيقة الانتهاكات الخطيرة التي وثقت بالصوت والصورة في الساحل السوري، والتي أودت بحياة مئات الأشخاص، غالبيتهم من المدنيين، إلى جانب عناصر من الجيش والأمن، وظهور أدلة على تورط فصائل غير منضبطة محسوبة على القوات الحكومية في عمليات قتل ميداني وانتهاكات جسيمة، إلا أن حملات التضليل الرقمي على وسائل التواصل الاجتماعي حاولت استغلال هذه الجراح لصياغة سردية غير مهنية.

فقد سعت هذه الحملات إلى تحميل أبناء الثورة السورية مسؤولية المجازر، والادعاء بوجود توازن في الإجرام بين نظام بشار الأسد والفصائل المناهضة له، وهي سردية مجتزأة ومزيفة، تهدف إلى تبرئة المجرم الحقيقي.

فيما لقيت الانتهاكات بحق المدنيين في الساحل إدانة من ناشطي الثورة السورية، الذين أكدوا رفضهم لمنطق الإفلات من العقاب، في حين تجاهل أنصار النظام البائد جرائم بشار الأسد، الذي قتل ما يقارب مليون سوري واعتقل مئات الآلاف، في محاولة لإعادة تدوير صورته عبر تحميل طرف آخر جرائم لا تمحو سجله الدموي.

ورغم انطواء هذه الحملات الرقمية على البعض، فإنها تكشف في الوقت ذاته عن أهمية الدور الذي تلعبه منصات التحقق والمصادر المفتوحة في فضح التضليل وإعادة بناء السرديات على أسس مهنية وإنسانية.

رابط تحقيق “مجتمع التحقق العربي”:

https://www.facebook.com/photo?fbid=645864294999015&set=pcb.645884171663694

مقالات ذات صلة