سجّلت سوريا، منذ مطلع عام 2025، عودة أكثر من مليون لاجئ إلى مناطقهم الأصلية، في أكبر موجة عودة منذ اندلاع الثورة عام 2011.
وذكر تقرير صادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) أن عدد العائدين بلغ أكثر من 1.2 مليون شخص، من بينهم 885 ألف نازح داخلي، و302 ألف لاجئ خارج البلاد، عادوا إلى مناطقهم منذ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024.
وقال منسق الأمم المتحدة المقيم للشؤون الإنسانية في سوريا، آدم عبدالمولى، إن المفوضية تتوقع أن يصل عدد العائدين خلال هذا العام إلى 3.5 ملايين شخص، مشددًا على الحاجة الملحة إلى استثمارات إنسانية وتنموية عاجلة لدعم عملية التعافي وإعادة الاندماج.
ورغم هذا الزخم، أشار عبدالمولى إلى أن “العمليات القتالية لا تزال مستمرة في الشمال والجنوب وبعض الجيوب الساحلية”، مما يتسبب في موجات نزوح جديدة، ويُعيق إيصال المساعدات الإنسانية.
خلفية من القمع والخوف تحت حكم الأسد
أشار التقرير إلى أن نظام بشار الأسد روّج، خلال السنوات الماضية، لما يُسمى بـ”العودة الآمنة”، غير أن تجارب سابقة أظهرت أن العديد من العائدين واجهوا الاعتقال أو التجنيد الإجباري، وهو ما زرع الخوف بين اللاجئين، وقلّل من رغبتهم في العودة.
كما أن عمليات إعادة الإعمار كانت محدودة للغاية، في ظل استمرار القبضة الأمنية، ومنع المبادرات المجتمعية لإعادة تأهيل المناطق المدمّرة.
دور دول الجوار والمجتمع الدولي
أوضح التقرير أن التحول الحاصل في عام 2025 جاء نتيجة توافق دولي متزايد على دعم عملية التعافي في سوريا بعد سنوات من الجمود السياسي، حيث لعبت الدول المضيفة للاجئين – كتركيا ولبنان والأردن – دورًا محوريًا من خلال تقديم حوافز اقتصادية واجتماعية لتسهيل عودة اللاجئين، من ضمنها برامج تدريب مهني وفرص عمل مؤقتة، لتخفيف الضغط على اقتصاداتها المتعثرة.
الحاجة لإصلاحات تضمن الحقوق
وعلى الرغم من هذه التطورات، ما تزال التحديات كبيرة أمام العائدين، من بينها ضعف الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، واستمرار غياب الأمان في بعض المناطق، وارتفاع معدلات البطالة.
وخلال مؤتمر بروكسل حول سوريا، المنعقد في 17 آذار/مارس الجاري، شدّد المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، على ضرورة القيام بـ”إصلاحات شاملة ومستدامة تضمن حقوق جميع السوريين”، متسائلًا: “كيف يمكن ضمان أن يجد العائدون ما يكفي من مقومات الحياة الأساسية، من مأوى وكهرباء ومياه وصرف صحي وتعليم وفرص عمل؟ فبدون الأمن، لا فرص حقيقية”.
تشير هذه العودة الكبيرة إلى لحظة فارقة في الملف السوري، إلا أن استدامتها تبقى رهينة بالإصلاحات السياسية، والضمانات الحقوقية، والبيئة الآمنة التي تطمئن السوريين على حاضرهم ومستقبلهم.