يواجه حي جوبر الدمشقي، أحد أبرز أحياء العاصمة السورية دمشق، واقعًا خدميًا صعبًا بعد سنوات من الدمار الشامل الذي خلّفه قصف النظام السابق العنيف خلال الثورة السورية.
ونتيجةً للقصف المكثف، تحوّل الحي إلى أنقاض، مما أدى إلى تهجير قسري لسكانه، وعودة جزئية لنحو 500 عائلة تعيش اليوم في ظروف معيشية غير مقبولة.
دمار شامل وتحديات كبيرة
وأوضح وليد عواطة، عضو مجلس أمناء حي جوبر والناطق باسمه، في حديث لمنصة “سوريا 24”، أن “الحي تعرّض لقصفٍ متواصل بمختلف الأسلحة، بما فيها المحرّمة دوليًا، من النظام وحلفائه: الروسي، والإيراني، وحزب الله، والحشد الشعبي، وميليشيات أخرى، بسبب موقعه الاستراتيجي كبوابة للغوطة الشرقية وقربه من مركز دمشق”.
وأضاف: “التقديرات الهندسية تشير إلى أن 80% من مباني الحي غير قابلة للترميم، إما بسبب الانهيار الكلي أو ضعف الأساسات الناتج عن شبكة الأنفاق التي استخدمها الثوار للصمود”.
وأشار عواطة إلى أن الخبراء أوصوا بإزالة جميع الأبنية لضمان سلامة أي إعادة إعمار مستقبلية، فيما لا تتجاوز نسبة المباني القابلة للترميم 20% فقط. وبعد انتصار قوى الثورة، عاد معظم أهالي الحي من الشمال السوري أو الخارج، لكنهم وجدوا أن فرحة النصر لم تكتمل بسبب الدمار الذي أصاب ديارهم، وفق تعبيره.
جهود مجلس الأمناء رغم العقبات
ووسط هذا الواقع الصعب الذي يعيشه الحي، تمّ تشكيل مجلس أمناء للحي يتبع لمحافظة دمشق، وأُنشئت فيه مكاتب خدمية تشمل: المكتب الحقوقي، الشرعي، الطبي، الهندسي، الإغاثي، مكتب تجمع التجار، لجنة الصلح الأهلي، ولجنة شعبية للإسكان.
ويواجه المجلس تحديات كبيرة، أبرزها:
• ملف الإسكان: يُقدَّر عدد العائلات العائدة التي تحتاج إلى سكن بديل بنحو 1500 عائلة موزعة في الشمال السوري.
في هذا الجانب، اقترح المجلس حلولًا مثل استغلال مساكن الدولة الفارغة بعد هروب ضباط النظام السابق، أو دفع بدل إيجار، أو ترميم منازل في بلدات أخرى لإسكان الأهالي مؤقتًا، أو بناء تجمعات سكنية بديلة.
وأكد عواطة أن “هذه الحلول لم تنجح بعد، رغم لقاءات متكررة مع محافظي دمشق وريفها ومسؤولين آخرين”، مشيرًا إلى أن لجنة الإسكان الشعبية نجحت بجهود مستقلة في إعادة عدد محدود من العائلات.
• الرسوم الهندسية: أعدّ المكتب الهندسي مخططين لإعادة إعمار الحي بما يتناسب مع تاريخه وطبيعته، بالتعاون مع المكاتب الحقوقية والشرعية لضمان حقوق الأهالي.
• المساعدات الإنسانية: يعمل المجلس على تأمين مساعدات عبر جمعيات خيرية والهلال الأحمر.
• تنظيف الحي: بدأت جهودٌ لفتح الطرقات وإزالة مخلفات الحرب لتأمينها واستقبال الزوار الراغبين في رؤية آثار جرائم النظام.
• تجهيز مواقع رمزية: تمّ تجهيز مصلى ومقبرة كضرورات رمزية للأهالي، حتى لو كانوا خارج الحي.
• حل النزاعات: تعمل لجنة الصلح على تسوية الخلافات بين الأهالي بالتراضي أو قانونيًا.
واقع السكان الحالي
عاد نحو 500 عائلة إلى الحي، لكنهم يعيشون في ظروف صعبة تفتقر لأدنى مقومات الحياة.
ويُقدّر عواطة عدد سكان جوبر اليوم بحوالي 400 ألف نسمة، عدا المغتربين، ويضيف: “الأهالي في محيط دمشق يعانون أوضاعًا معيشية قاسية جدًا، وهم بحاجة ماسة لمساعدات ومتابعة”.
خطط مستقبلية
وأكد عواطة أن المجلس “لا يدع أي فرصة إلا ويطرق بابها” لتأمين احتياجات الأهالي، معلنًا عن عزم تشكيل صندوق مرخّص محليًا ودوليًا لدعم الحي: “التواصل مستمر مع أجهزة الدولة في محافظة دمشق، ونشكر كل جهد يُبذل لأجل ذلك”.
ويبقى حي جوبر شاهدًا على مأساة شعب صمد وانتصر، لكنه لا يزال يبحث عن طريق لاستعادة حياته وسط الأنقاض.