في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد السابق، تتجه الأنظار نحو قوة شابة تمثل مستقبل سوريا، فالشباب السوريون الذين عانوا من القمع والحرمان لعقود، أصبحوا اليوم في قلب النقاش حول إعادة بناء الدولة وتشكيل مستقبلها السياسي.
ومع ذلك، يبقى السؤال الملح: إلى أي مدى يمكن للشباب أن يكونوا جزءًا فاعلًا من صنع القرار؟ وما هي التحديات التي تواجه تمكينهم؟
تحديات الماضي وفرص الحاضر
يتحدث الباحث المساعد في مركز حرمون للدراسات، إبراهيم خولاني عن التحديات الكبيرة التي واجهت الشباب في سوريا خلال العقود الماضية.
يقول خولاني في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “كان هناك غياب تام للأطر التمثيلية الحقيقية، وضعف الثقة بمؤسسات الدولة، بالإضافة إلى التحديات الأمنية التي كانت تفرضها سياسات نظام الأسد”. هذه العوامل مجتمعة أثرت على دور الشباب السياسي، حيث ظلوا مهمشين رغم كونهم الشريحة الأكبر من السكان.
لكن مع سقوط النظام، بدأت الفرصة تلوح في الأفق، إذ يشير خولاني إلى أن: “سقوط نظام الأسد فتح أبوابًا جديدة أمام الشباب للمشاركة في صنع القرار، خاصة أولئك الذين هاجروا إلى الدول الأوروبية واكتسبوا خبرات علمية ومهنية مميزة”.
ومع ذلك، يشدد خولاني على أن الطريق لا يزال مليئًا بالتحديات، ويؤكد أن: “لصوت الشباب أهمية كبيرة في إعادة بناء الدولة، إذ إنهم يمثلون قوة قادرة على الابتكار والتغيير، ولديهم طاقة وحيوية لا يمكن تجاهلها”.
ويضيف خولاني أن “مشاركة الشباب ضرورية لكسر النمطية وإدخال رؤى جديدة تتماشى مع متغيرات العصر”، مشيرًا إلى أهمية تعزيز أدوات تمكينهم مثل التعليم والتوعية السياسية، ودعم منظمات المجتمع المدني، وتعديل القوانين لضمان تمثيل أكبر لهم في الأحزاب السياسية والمجالس المحلية.
أدوات التمكين وضرورة التنوع
من جهته، يركز الصحفي إبراهيم هايل في حديث لمنصة سوريا ٢٤، على الأدوات اللازمة لتمكين الشباب وضمان مشاركتهم الفعالة: “تمكين الشباب يعني توفير الأدوات والفرص التي تساعدهم على تحقيق إمكاناتهم والمساهمة في المجتمع”.
وحدد هايل مجموعة من الأدوات الرئيسية:
– التعليم والتدريب لتطوير المهارات الشخصية والسياسية.
– الفرص الوظيفية من خلال خلق وظائف ودعم ريادة الأعمال.
– المشاركة المجتمعية والسياسية لتعزيز دورهم في الحياة العامة.
– التكنولوجيا والابتكار لتوسيع إمكانياتهم الرقمية.
– التوجيه والإرشاد لمساعدتهم في اتخاذ قرارات حياتية ناجحة.
– التمويل والدعم المالي لتمويل مشاريعهم وتوفير الاستقرار الاقتصادي.
– التعاون والشبكات لفتح فرص التعاون والتبادل المعرفي.
ويضيف هايل أن: “دور الشباب مهم جدًا في بناء أي مجتمع، خاصة في ظل التحول الكبير الذي تشهده سوريا اليوم” منتقداً في ذات الوقت التركيز على فئة معينة من الشباب في الحكومة الجديدة، قائلًا: “ما زالت مشاركة الشباب خجولة ولا تشمل جميع مكونات الشعب السوري. يجب أن تكون هناك تمثيلية أوسع تعكس تنوع المجتمع السوري”.
الخبرات المكتسبة وأهمية الفرص
الصحفية هدى أبو نبوت تسلط الضوء في حديث لمنصة سوريا ٢٤، على أهمية الخبرات التي اكتسبها الشباب السوريون داخل البلاد وخارجها: “لجوء نصف الشعب تقريبًا إلى دول الجوار والعالم أتاح لفئة واسعة من الشباب الدراسة في جامعات عريقة والعمل في أسواق ونماذج دول مختلفة، مما أكسبهم مهارات وخبرات مميزة”.
كما تشير إلى أن “إزالة الخوف من التجنيد الإجباري أو الاحتفاظ بالجيش بعد سقوط النظام حررت الشباب داخل سوريا أيضًا”.
ومع ذلك، ترى أبو نبوت أن الواقع الحالي لا يزال غير مرضٍ: “رغم أن معظم الحكومة ومن تم توظيفهم في مؤسسات الدولة من فئة الشباب، إلا أنهم يفتقرون إلى الخبرات اللازمة، وغالبيتهم ينتمون إلى لون واحد فقط”، حيث تطالب أبو نبوت بـ: “تمثيل أوسع لفئة الشباب المتمكن وذو الخبرة، والابتعاد عن سياسة الولاء التي لا تزال حاضرة في الحكومة الجديدة”.
وتؤكد أبو نبوت أن: “الشباب يحتاجون إلى فرص ضمن اختصاصاتهم ليتمكنوا من استثمار دراستهم ومؤهلاتهم”، مشددة على ضرورة أن تتحمل الدولة مسؤولية تنمية قدراتهم وتحسين جودة حياتهم من خلال خلق فرص عمل وتشجيع المشاريع الصغيرة.
الطاقات الشبابية وركائز المستقبل
الصحفي والكاتب يمان دابقي يركز في حديث لمنصة سوريا ٢٤، على أهمية الطاقات الشبابية في نجاح العملية السياسية: “لا شك بأن مشاركة الشباب والكفاءات هي أحد أهم عوامل نجاح العملية السياسية”، موضحا أن: “سوريا تحتاج إلى الطاقة الشبابية في كافة المجالات، وعلى رأسها المشاركة في صنع القرار السياسي”.
ويشير دابقي إلى أن سنوات القمع والنظام السابق أنتجت نخبًا شبابية متمرسة، سواء داخل سوريا أو في الخارج: “هؤلاء الشباب لديهم خبرات كبيرة في العمل السياسي، التفاوض، وكيفية صنع القرار، وهم الآن ينتظرون فرصة حقيقية من الحكومة الجديدة لإعطائهم دورهم الحقيقي”، كما ويؤكد على أن “ذلك سيساعد في تعزيز السلام الأهلي وتحقيق الاستقرار في سوريا”.
ويشدد دابقي على أن: “أي إقصاء أو تهميش لصوت الشباب سيكون له تأثير سلبي على الجميع”، مضيفا: “يجب السماح للشباب بالخروج إلى الصفوف الأولى لما لهم من أهمية، وهؤلاء هم الذين سيقودون التغيير ليس فقط في سوريا، بل في المنطقة بأسرها”.
مشاركة الشباب في مرحلة حرجة
يرى الناشط الحقوقي عبد العزيز الدالاتي في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن مشاركة الشباب في صنع القرار بسوريا الجديدة تمر بمرحلة انتقالية حرجة، ورغم أنهم كانوا طليعة الحراك الثوري، إلا أن غياب الخبرة السياسية يعيق مشاركتهم الفعلية، ومع ذلك، يلفت إلى زخم واضح من الشباب الذين يسعون للتأثير عبر النشاط المدني والإعلامي.
ويشدد على أن “مشاركة الشباب تعد أساسًا لضمان انتقال ديمقراطي ناجح”، ويجب أن يكون دورهم جوهريًا بعد سقوط النظام، حيث يمتلكون فرصة تاريخية لإعادة بناء سوريا: “الشباب هم الأكثر تأثرًا بالحرب وأيضًا الأكثر قدرة على تجاوزها. وجودهم في مواقع القرار يعني ضخ أفكار جديدة تعزز الديمقراطية وتمنع عودة الاستبداد، محذرًا من أن تهميشهم سيؤدي إلى إخفاق التغيير.
ويختم الدالاتي بالقول: “سوريا الجديدة تحتاج الشباب كشركاء حقيقيين، لا متفرجين على إعادة إنتاج أساليب الماضي”.
الطريق نحو مستقبل أفضل
تتفق جميع الآراء على أن الشباب السوري يمثل العمود الفقري لمستقبل سوريا الجديدة، ورغم التحديات الكبيرة التي تواجههم، فإن الطاقات الكامنة لديهم تجعلهم قوة دافعة نحو التغيير والإصلاح.
ومع توفير أدوات التمكين المناسبة، يمكن للشباب أن يصبحوا شركاء حقيقيين في صنع القرار، ويقودوا البلاد نحو مستقبل أكثر إشراقًا وعدالة، فسوريا الجديدة تحتاج إلى أبنائها الشباب ليكونوا في قلب العملية السياسية، فلا يمكن بناء دولة حديثة وديمقراطية دون مشاركتهم الفاعلة.