مع مرور أكثر من أربعة عشر عامًا على الثورة السورية وما تبعها من حرب النظام البائد على شعبه، تحاول العائلات السورية التكيّف مع مرحلة جديدة قد ترسم ملامح المستقبل، في وقت تطلق فيه منظمة اليونيسف نداءً عاجلًا لتوفير الدعم الضروري للأجيال الناشئة، بهدف تأمين بيئة آمنة تتيح لهم النمو والتطور.
وبحسب بيانات المنظمة، فإن أكثر من 75% من بين 10.5 ملايين شاب وشابة في البلاد وُلدوا خلال سنوات النزاع، ما يعني أن طفولتهم تشكّلت في سياق من التهجير، العنف، والانهيار الاجتماعي.
وقالت المديرة التنفيذية لليونيسف، كاثرين راسل: “لقد مزّق النزاع المسلح واقع الطفولة في سوريا، وفرض على عدد كبير من الفتيان والفتيات حياة قاسية تفتقر إلى أبسط الحقوق. علينا أن نتحرك بسرعة لضمان حصول كل شاب على فرصة للتعليم، والحماية، والعيش في أمان”.
تصاعد التحديات وسط بصيص أمل
ولا تزال الظروف الإنسانية في البلاد تنذر بالخطر، إذ يعيش قرابة 90% من السكان تحت خط الفقر، وتضطر عائلات كثيرة إلى اتخاذ تدابير يائسة، مثل تشغيل الأطفال أو تزويج الفتيات في سن مبكرة. كما لا يزال ما لا يقل عن خمسة ملايين طفل مهددين ببقايا الذخائر غير المنفجرة، مع انتشار حوالي 300 ألف عبوة متفجرة في أنحاء البلاد.
في ميدان التعليم، أكثر من 40% من المؤسسات التعليمية لا تزال مغلقة، مما يحرم ما يزيد عن 2.4 مليون طفل من حقهم في التعلم، ويعرض أكثر من مليون آخر لخطر الانقطاع الدائم عن الدراسة. وفي الجانب الصحي، يعاني أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخامسة من نقص تغذية حاد قد يهدد حياتهم، فيما يواجه نحو مليوني طفل آخرين نفس المصير المحتمل.
أما في ما يخصّ المرافق الأساسية، فإن قدرات أنظمة تزويد المياه في البلاد تعمل بأقل من 50% من طاقتها، وتنخفض إلى حدود 23% في فترات انقطاع التيار الكهربائي. وتزيد خطورة الوضع الصحي مع تصريف 70% من مياه الصرف الصحي في البيئة دون معالجة، مما يشكل تهديدًا مباشرًا على صحة السكان، لا سيما الأطفال.
دعوة إلى نهج جديد في إعادة الإعمار
تزامنًا مع انعقاد مؤتمر “مع سوريا” في بروكسل الأسبوع الماضي، دعت اليونيسف إلى اعتماد مقاربة جديدة تركّز على الأجيال الناشئة في عمليات التعافي الوطني، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.
وشددت على ضرورة حماية الأطفال فورًا، وتأمين الخدمات الأساسية، بما في ذلك المؤسسات التعليمية ومراكز الرعاية الصحية، وتعزيز الاستثمارات في التعليم الآمن والشامل والعالي الجودة.
كما طالبت المنظمة بتوسيع نطاق الوصول الإنساني لتقديم المساعدات الحيوية لمن هم في أمسّ الحاجة إليها، والعمل على توفير دعم دولي مستمر يُسهم في إعادة تأهيل المرافق الأساسية، من شبكات المياه والصرف الصحي إلى البنية الصحية، بهدف كسر دائرة الهشاشة التي تطغى على البلاد.
وختمت راسل تصريحها بالقول: “نحن في لحظة مفصلية تتطلب قرارات حاسمة. آن الأوان لإعادة البناء من أجل الأجيال، وصون حقوقهم، وضمان مستقبلهم”.
.