أثار قرار وزارة الخارجية السورية بتشكيل “الأمانة العامة للشؤون السياسية” ردود فعل متباينة في الأوساط القانونية والسياسية والإعلامية، بين من يرى فيه خطوة لتنظيم الحياة السياسية في ظل مرحلة انتقالية حساسة، ومن يخشى أن يكون تمهيدًا لاستنساخ نموذج حزب البعث في هيمنة الحزب الواحد على مفاصل الدولة والمجتمع.
قرار جديد بصلاحياتٍ سياسيةٍ واسعةٍ
في 27 آذار 2025، أصدر وزير الخارجية والمغتربين السوري، أسعد الشيباني، القرار رقم (53)، القاضي بتشكيل “الأمانة العامة للشؤون السياسية” كجزء من الهيكل الإداري للوزارة.
وينص القرار على أن التشكيل الجديد يأتي “بناءً على مقتضيات العمل السياسي ومتطلبات المصلحة الوطنية العليا”، ويهدف إلى “تعزيز الكفاءة السياسية وتنظيم العمل الرسمي في المرحلة القادمة”.
وبحسب نص القرار، تتولى الأمانة الجديدة الإشراف على النشاطات والفعاليات السياسية داخل البلاد، والمشاركة في صياغة ورسم السياسات العامة المتعلقة بالشأن السياسي، بالإضافة إلى إعادة توظيف أصول حزب البعث المنحل وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية والمنظمات التابعة لها، بما يخدم الأهداف الوطنية والسياسية للدولة.
كما نص القرار على أن الأمانة العامة ستتمتع بموازنة مستقلة ضمن الموازنة العامة لوزارة الخارجية، وتخضع لإشراف الجهات الرقابية.
حل البعث وتفكيك أدوات النظام السابق
جاء هذا القرار بعد إعلان “مؤتمر النصر” في 30 كانون الثاني الماضي حل حزب البعث العربي الاشتراكي وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، مع التأكيد على حظر إعادة تشكيلها تحت أي مسمى جديد.
وأكد حينها العقيد حسن عبد الغني، الناطق باسم إدارة العمليات العسكرية، أن جميع أصول وممتلكات تلك الأحزاب تعود للدولة السورية، وتُعتبر من تركات النظام البائد.
القرار: تجاوز دستوري وانحراف في استخدام السلطة
الحقوقي محمد صبرا وجّه نقدًا حادًا للقرار، واعتبره خرقًا واضحًا لصلاحيات الوزير المنصوص عليها في المرسوم التشريعي رقم 20 لعام 2016، الذي يحدد مهام وزارة الخارجية ضمن إطار العلاقات الخارجية فقط.
وأشار خلال حديثه لمنصة سوريا 24 إلى أن الاستناد إلى “مقتضيات المصلحة العليا” لا يُعد سندًا قانونيًا كافيًا لتوسيع صلاحيات الوزارة بهذا الشكل، ولا يُخوّلها الإشراف على الشأن السياسي الداخلي أو إدارة ممتلكات الأحزاب المنحلة.
وأكد صبرا أن هذه الأصول تعود ملكيتها إلى الدولة، ولا يجوز لأي جهة تنفيذية التصرف بها دون تشريع صريح، معتبرًا أن القرار يتجاوز الإعلان الدستوري ويستند إلى مبرّراتٍ واهية، محذرًا من أنه قد يشكّل سابقة خطيرة في الانحراف بالسلطة التنفيذية عن مسارها القانوني.
القرار يعزز التكامل السياسي ويخرج عن الإطار الحزبي
على النقيض، رأى المحامي عبد الناصر حوشان أن القرار يمثّل خطوة غير مسبوقة نحو تحويل العمل السياسي إلى عمل مؤسساتي بعيد عن الحزبية، معتبراً أن ربط الهيئة السياسية بوزارة الخارجية يُخرجها من الإطار العقائدي ويدخلها في إطار الوظيفة العامة.
وقال حوشان لمنصة سوريا 24 إنّ وجود قسم للسياسة الداخلية ضمن وزارة تُعنى تقليديًا بالشأن الخارجي يُمكن أن يُنتج تناغمًا وتكاملاً في رسم السياسات، ويساهم في ترشيد القرار السياسي، مشددًا على أن ممتلكات الأحزاب المنحلة أصبحت من ممتلكات الدولة، وإعادة استخدامها يصب في المصلحة العامة.
وأكد كذلك أن القرار لا يتعارض مع مبدأ فصل السلطات، بل يعكس توزيعًا جديدًا أكثر مرونة واستقلالية للعمل السياسي.
هل نعيد إنتاج البعث بحلّة جديدة؟
الصحفي عبسي سميسم عبّر عن مخاوف أعمق تتعلق بإعادة إنتاج تجربة حزب البعث في الهيمنة على الحياة السياسية والنقابية.
وفي منشور له على صفحته الشخصية، تساءل سميسم عن الدلالات الحقيقية لإنشاء هيئة سياسية جديدة بهذه الصلاحيات الواسعة، محذرًا من أن يتم توجيهها مستقبلاً لخدمة “حزب سلطة جديد”، قد يتشكل من نواة سابقة لـ”هيئة تحرير الشام”، بعد حلّها.
ورأى سميسم أن ما يثير القلق أكثر هو ما تضمنه القرار من إشراف الهيئة على النقابات والمنظمات المهنية، والتي يُفترض أن تكون مستقلة. واعتبر أن هذا التوجّه يفتح الباب أمام “استنساخ” تجربة البعث في تأطير النقابات، وتحويلها من أطر مدنية مستقلة إلى أذرع للحزب الحاكم، بما يتناقض مع أي تصور للدولة الديمقراطية.
القرار جيد بشرط حماية التعددية السياسية
من جهته، عبّر الناشط السياسي رضوان الأطرش عن موقف متوازن من القرار، معتبرًا أنه قد يكون إيجابيًا إذا كان الهدف منه تنظيم الحياة السياسية وضمان حرية النشاط السياسي في سياق غير مستقر أمنيًا وسياسيًا.
وأكد الأطرش على ضرورة أن يكون القرار خطوة نحو حماية التظاهرات والفعاليات السياسية، لا السيطرة عليها أو احتواؤها، مشددًا على أن تجربة حزب البعث لن تتكرر في سوريا الجديدة، التي ينبغي أن تقوم على التعددية والتمثيل السياسي الحقيقي.
وأضاف أن الأملاك التي كان يسيطر عليها النظام السابق يجب أن تعود إلى ملكية الشعب السوري، وأن أي توظيف لها يجب أن يتم بما يخدم المصلحة العامة ويعبّر عن قطيعة حقيقية مع ممارسات الماضي.