في تصعيد جديد يعكس توتّرات إقليمية متفاقمة، كثّفت إسرائيل عملياتها العسكرية في سوريا، مستهدفة مواقع استراتيجية في دمشق وحماة وحمص ودرعا، فيما يرى مراقبون أن هذه الخطوة تهدف إلى تحويل الأراضي السورية إلى ساحة صراع غير مباشر مع تركيا، مع إرسال رسائل سياسية وعسكرية متعددة الأبعاد.
تصريحات إسرائيلية حادّة
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان أمس الخميس: “إسرائيل لن تسمح بأن تتحوّل سوريا إلى تهديد على التجمّعات السكنية الإسرائيلية وعلى مصالح إسرائيل الأمنية، والغارات الجوية التي نفّذها سلاح الجو يوم الأربعاء على المطارات في T4 وحماة ومحيط دمشق هي رسالة واضحة وتحذير للمستقبل. لن نسمح بالمساس بأمن دولة إسرائيل”.
وأضاف في رسالة موجّهة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع: “إذا سمحتَ لقوات معادية لإسرائيل بالدخول إلى سوريا وتهديد المصالح الأمنية الإسرائيلية، ستدفع ثمنًا باهظًا”.
غارات دامية وتوغّل بري
وفي تطوّر ميداني خطير، أعلنت محافظة درعا في بيان عن “ارتقاء 9 مدنيين وإصابة آخرين، في حصيلة أولية، إثر قصف إسرائيلي استهدف حرش سد الجبيلية بين مدينة درعا وبلدة تسيل غرب درعا، عقب توغّل لقوات الاحتلال لأول مرة إلى هذا العمق”.
وجاء ذلك بعد ساعات من غارات جوية مساء الأربعاء استهدفت مطار T4 في ريف حمص ومطار حماة العسكري، إلى جانب مواقع في محيط دمشق، مما أدّى إلى تدمير جزء كبير من هذه المنشآت. وفي يوم الخميس، عاودت الطائرات الإسرائيلية استهداف نقاط عسكرية في منطقة الكسوة جنوب دمشق، مما يعكس تصاعد وتيرة العمليات.
مخاوف من النفوذ التركي
تأتي هذه العمليات في ظلّ مخاوف إسرائيلية متزايدة من تعزيز الوجود العسكري التركي في سوريا.
وكانت صحيفة جيروزاليم بوست قد نقلت عن مصدر أمني إسرائيلي تحذيره من أن “إقامة قاعدة جوية تركية في سوريا قد تشكّل تهديدًا محتملًا يحدّ من حرية العمليات العسكرية الإسرائيلية”.
وأشارت الصحيفة إلى أن القيادة الإسرائيلية أجرت مناقشات مكثّفة خلال الأسابيع الأخيرة حول هذا الأمر، فيما ذكرت صحيفة معاريف أن القوات الجوية الإسرائيلية، بقيادة اللواء تومر بار، نفّذت ضربات خاطفة لإحباط محاولات تركية لتعزيز موطئ قدم عسكري في سوريا، مستهدفة مطاري تدمر وT4.
ضغط مدعوم أمريكيًّا
من جانبه، رأى المحلّل العسكري العقيد إسماعيل أيوب، في حديث لمنصة “سوريا ٢٤“، أن “إسرائيل تسعى لفرض شروطها على سوريا عبر الضغط العسكري المدعوم أمريكيًّا”.
وأوضح: “إسرائيل لا تريد تحويل سوريا إلى ساحة صراع رئيسية، لكنها تخشى من استقرار قد يعزّزه الوجود التركي. الضغط الحالي يهدف إلى إجبار الحكومة السورية على قبول اتفاقيات تنتقص من سيادتها، مثل ‘سيدا’ أو التطبيع بشروط إسرائيلية”.
وأضاف: “قد تسعى إسرائيل لاستفزاز ردّ سوري محدود لتبرير تدمير بنيتها التحتية، لكن صراعًا مباشرًا مع تركيا مستبعد بسبب العلاقات المتينة بين أنقرة وتل أبيب”.
تركيا: الهجمات الإسرائيلية تهدّد أمن المنطقة
وأصدرت وزارة الخارجية التركية بيانًا شديد اللهجة، الخميس، أدانت فيه السياسات العدوانية والتوسّعية التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي تجاه دول المنطقة.
وأشار البيان إلى أن “الهجمات الجوية والبرية المتزامنة التي نفذتها إسرائيل على عدة نقاط في سوريا، دون وجود أي استفزاز أو تهديد موجّه ضدها، تؤكد طبيعة السياسة الخارجية الإسرائيلية التي لا يمكن تفسيرها إلا كجزء من استراتيجية تعتمد على تأجيج النزاعات”.
رؤية تركية: إفشال مخطّطات إسرائيل
في المقابل، علّق المحلّل السياسي التركي، مهند حافظ أوغلو، قائلًا في حديث لمنصة “سوريا ٢٤“: “إسرائيل منزعجة من التحالف التركي-السوري، وبداية إقامة قواعد عسكرية في سوريا، مما يعني أنها خسرت هيمنتها في الأجواء السورية وعلى الأرض. هذا التحرّك التركي يهدم مخطّطات إسرائيل التوسّعية التي تستهدف المنطقة، بدءًا من غزة ولبنان وصولًا إلى سوريا”.
وأضاف: “إسرائيل لا تستطيع مواجهة تركيا مباشرة، لذا تلجأ إلى ضرب أماكن فارغة كرسائل رمزية، لكنها لن تستهدف قوات تركية. وأفضل ردّ تركي هو التجاهل، مع دعم عربي لإفشال هذه الخطط”.
إسرائيل تستغل الفوضى بعد سقوط الأسد
ومنذ سقوط نظام الأسد السابق في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، نفّذت إسرائيل مئات الغارات على سوريا، مستغلّة الفوضى لتدمير معظم المقدّرات العسكرية التي خلّفها النظام السابق.
وبحسب تقرير صدر عن مركز حرمون للدراسات، أمس الخميس، بلغت الضربات الجوية الإسرائيلية في آذار/مارس 2025 وحده 80 ضربة، استهدفت مواقع في خمس محافظات، كان أبرزها حادثة بلدة كويّا بريف درعا، حيث تسبّب توغّل إسرائيلي ومواجهات مع الأهالي في نزوح مئات العائلات.
رسائل متعددة الأوجه
يبدو أن إسرائيل، من خلال هذا التصعيد، ترسل رسائل متنوّعة: تحذير لسوريا الجديدة من التقارب مع تركيا، وتأكيد لسيطرتها على المشهد العسكري في المنطقة، ومحاولة لإضعاف أي بنية تحتية قد تهدّد أمنها مستقبلًا.
لكنّ السؤال الذي يبقى معلّقًا: هل ستنجح هذه الاستراتيجية في تحقيق أهدافها؟ أم ستفتح الباب أمام مواجهات أوسع قد تعيد تشكيل التوازنات الإقليمية؟