بعد مرور حوالي أربعة أشهر على سقوط نظام الأسد السابق وبدء إدارة جديدة لسوريا، تعيش البلاد مرحلة حرجة من تاريخها، فبينما تحاول النخب السياسية رسم معالم الدولة الجديدة، يبرز دور الشباب كأحد أهم الفاعلين في هذه المرحلة الانتقالية.
تمكين الشباب: المطلب السياسي الأول
الكاتب الصحفي باسل المحمد أكد في حديثه لمنصة سوريا ٢٤ أن الشباب السوري، الذي قدّم التضحيات الجسام خلال سنوات الثورة الطويلة، يواجه اليوم خطر التهميش في مرحلة ما بعد التحرير، ولذلك يتصدر المطلب السياسي قائمة أولوياتهم، حيث يأملون في المشاركة الفعلية في صنع القرار السياسي.
وأشار إلى أن الشباب يسعون لتنظيم أنفسهم عبر نقابات واتحادات طلابية وأحزاب سياسية، ولكنهم يشددون على ضرورة أن تكون هذه الكيانات حقيقية ومؤثرة، بعيدةً عن الصورية التي كانت سائدة في عهد النظام السابق.
ووفقًا للمحمد، فإن الشباب يرون أن تمثيلهم في الحكومة الجديدة ما يزال دون المستوى المطلوب، فعلى الرغم من وجود بعض الوزراء الشباب في التشكيلة الوزارية الأخيرة، إلا أن هذا التمثيل يظل شكليًا في ظل غياب آليات واضحة لتعزيز دور الشباب في مواقع اتخاذ القرار.
بالإضافة إلى ذلك، يرى المحمد أن الشباب يطالبون بتغيير شامل في الثقافة السياسية السائدة، فهم يسعون إلى بناء ثقافة سياسية تقوم على الشفافية والمساءلة، وتتيح للجميع، بغض النظر عن انتماءاتهم أو خلفياتهم، المشاركة في الحياة العامة.
ويؤكد الشباب أن أي نظام سياسي جديد يجب أن يكون مبنيًا على أسس الديمقراطية الحقيقية، وأن يعتمد على الانتخابات الحرة والنزيهة التي تعكس إرادة الشعب السوري بكل أطيافه.
من جهته، قال الشاب أنس عبد اللطيف التيناوي، المهتم بالقضايا السياسية والتاريخية، في حديثه لمنصة سوريا ٢٤، إن التشكيلة الوزارية الأخيرة شهدت خطوة إيجابية تمثلت في تعيين عدد من الوزراء من فئة الشباب.
ومع ذلك، يرى التيناوي أن هذا لا يكفي، مطالبًا بتمكين الشباب من مختلف الأطياف والمكونات السورية في مواقع ريادية في الدولة، داعيًا إلى النظر في توظيف الشباب المنخرطين في الثورة، سواء من المصابين أو المتضررين، بشروط تراعي الظروف الاستثنائية التي عاشتها سوريا على مدى السنوات الماضية.
فرص العمل واقتصاد مستدام: مطلب اقتصادي هام
وعلى الصعيد الاقتصادي، يعتبر الشباب أن البطالة هي واحدة من أكبر التحديات التي تواجههم.
ويطالب الشباب الحكومة الجديدة بوضع برامج واضحة لتوظيفهم، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وفتح أبواب التوظيف في مؤسسات الدولة دون وساطة أو محسوبية.
كما يشددون على أهمية القضاء على الفساد والمحسوبية التي كانت منتشرة في ظل النظام السابق، والتي حرمت العديد من الشباب، خاصة خريجي الجامعات، من فرص العمل، مع التأكيد على أن أي نظام جديد يجب أن يكون قادرًا على تقديم حلول اقتصادية مستدامة تتيح للشباب تحقيق طموحاتهم وبناء مستقبل أفضل لأنفسهم وبلادهم.
ويطالب الشباب كذلك بتطوير البنية التحتية الاقتصادية، مثل تحسين شبكات النقل والطاقة، وإنشاء مناطق صناعية وتجارية جديدة تساعد في خلق فرص عمل، كما يدعون إلى تعزيز التعليم المهني والتقني، بحيث يتمكن الشباب من اكتساب المهارات اللازمة للعمل في مجالات مختلفة، بما في ذلك التكنولوجيا والطاقة المتجددة.
تحسين الخدمات الأساسية
أما على المستوى الخدمي، فإن الشباب العائدين من دول اللجوء يحملون معهم تجارب وخبرات جديدة يتطلعون لتطبيقها في سوريا، لكنهم يؤكدون أن ذلك لن يكون ممكنًا دون تحسين مستوى الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية.
الناشط الإعلامي أحمد صبرة أشار في حديثه لمنصة سوريا ٢٤، إلى أن الشباب السوري بدأ يستقر نفسيًا بعد التحرير، إلا أن استقرارهم الاقتصادي يعتمد بشكل كبير على توفر الخدمات الأساسية، وعلى رأسها خدمات الإنترنت.
وأوضح صبرة أن التطور التكنولوجي السريع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يوفر ملايين فرص العمل عبر الإنترنت، ومع ذلك، فإن خدمات الإنترنت الحالية في سوريا تعاني من ضعف شديد وانقطاع متكرر، مما يجعل استخدامها لهذا الغرض مستحيلاً، ولذلك يطالب الشباب بتحسين خدمات الإنترنت لتكون أداة فعالة تسهّل التواصل مع العالم الخارجي وتخلق فرص عمل جديدة.
كما يطالب الشباب أيضًا بتطوير القطاع الصحي والتعليمي، إذ إن النظام الصحي الحالي غير قادر على استيعاب الاحتياجات المتزايدة للسكان، خاصة بعد سنوات الحرب الطويلة، مشددين على أهمية تحديث المناهج التعليمية لتتناسب مع متطلبات العصر، وإدخال مواد جديدة تتعلق بالتكنولوجيا والعلوم الحديثة.
نظام سياسي ديمقراطي لجميع الأطياف
وفي إطار المطالب السياسية، يدعو الشباب إلى بناء نظام سياسي ديمقراطي يقوم على الانتخابات الحرة والنزيهة، ويتيح المشاركة الحقيقية لجميع أطياف الشعب السوري، كما يؤكدون أن النظام الجديد يجب أن يكون شاملًا ولا يقصي أحدًا، وأن يعتمد على مبدأ العدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع المواطنين.
من جانبها، تقول الناشطة الحقوقية إيمان الظريفي في حديثها لمنصة سوريا ٢٤: “يجب أن يكون للشباب دور محوري في عملية البناء من خلال تطوير مهاراتهم عبر دورات تدريبية داخل البلاد أو خارجها، وتحديث مناهج التعليم لتتواكب مع متطلبات العصر. كما ينبغي حث الشباب في الخارج على المساهمة في إعادة إعمار الوطن، مع ضمان تمثيل كافة مكوناتهم وإعطائهم الفرصة للمشاركة الفاعلة. وفي ظل الدقة والحساسية التي تتطلبها المرحلة، لا بد من تعزيز المساءلة والمهنية في العمل، واستحداث تخصصات جامعية جديدة تلبي احتياجات التطور الحديث”.
التحديات والآمال
رغم التحديات الكبيرة التي تواجه سوريا في هذه المرحلة الانتقالية، فإن الشباب يبدون تفاؤلًا حذرًا، حيث يرون في هذه الفترة فرصة تاريخية لإعادة بناء البلاد على أسس جديدة، تأخذ بعين الاعتبار تطلعاتهم وطموحاتهم، لكنهم يحذّرون في الوقت نفسه من أن أي إخفاق في تحقيق هذه المطالب قد يؤدي إلى فقدان الثقة في الحكومة الجديدة، وهو ما لا يمكن تحمّل تبعاته بعد كل ما عاشوه من معاناة.