في خطوة تُعد الأبرز اقتصاديًا وسياسيًا منذ سنوات، أعلن محافظ دير الزور، غسان أحمد، أن وزارة النفط السورية ستتولى الإشراف الكامل على آبار النفط شرقي نهر الفرات في منطقة الجزيرة، التي كانت تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) منذ بداية الصراع.
ويهدف القرار إلى استعادة موارد ضخمة كانت خارج نطاق الخزينة الوطنية، لدعم إعادة الإعمار وتعزيز الاقتصاد السوري المنهك.
وقال محافظ دير الزور، غسان أحمد: “إن الحكومة السورية ستشرف على الآبار الواقعة في منطقة الجزيرة شرق نهر الفرات بشكل كامل”، مضيفاً أن “وزارة النفط ستعمل من خلال إشرافها على الآبار على إعادة أموال ضخمة لسوريا”.
ولفت إلى أن: “الأموال التي سيتم استردادها من آبار النفط ستساهم في بناء سوريا وإعادة إعمارها”، مبيناًً أن: “سوريا ستكسب موارد كبيرة مع سيطرة وزارة النفط على الآبار النفطية شرقي الفرات”.
وأكد على أن هذه الخطوة ستُعيد للخزينة عائدات كانت تُستغل خارج إطار الدولة، مما يُشكل رافدًا حيويًا للاقتصاد الوطني وسط أزمة اقتصادية حادة.
خلفية الإنتاج النفطي وسيطرة قسد كانت سوريا تُنتج 385 ألف برميل يوميًا في 2010، مما جعلها قادرة على تلبية احتياجاتها المحلية وتصدير الفائض، بحسب ما ذكر مدير مركز حرمون للدراسات، سمير سعيفان، في منشور مطول على حسابه في فيسبوك في وقت سابق من العام 2024، وهو الذي عمل في القطاع بين 1996 و2011.
لكن مع اندلاع الصراع في 2011، تراجع الإنتاج بشكل كبير، ففي المناطق التي سيطرت عليها قسد لاحقًا، بلغ الإنتاج 87 ألف برميل يوميًا في 2012، لينخفض إلى 30-40 ألف برميل يوميًا بحلول 2017 بسبب تدمير البنية التحتية، حسب تقديرات سعيفان.
وحاليًا، يبلغ الإنتاج الإجمالي 120 ألف برميل يوميًا، منها 100 ألف برميل (أي 83%) من مناطق قسد التي تضم 43 حقلًا نفطيًا، وفقًا للخبير الاقتصادي محمد غزال.
وتشمل هذه الحقول:
- حقل رميلان: في الحسكة، وهو من أكبر الحقول منذ 1968، لكنه تدهور بسبب الحرب.
- حقل العمر: في دير الزور، أكبر حقل نفطي، استولت عليه قسد بين أواخر 2016 وأوائل 2017 بعد هزيمة “داعش”.
- حقول أخرى: مثل الجفرة، الجبسة، الهول، التيم والورد في دير الزور.
وبدأت قسد سيطرتها على الحقول بين 2012 و2013في الحسكة بعد انسحاب قوات النظام السابق، وامتدت إلى دير الزور بحلول 2017.
وفي ذروتها، حققت عائدات يومية بنحو 160 ألف دولار (أي 58 مليون دولار سنويًا) في 2017، حسب بيانات سابقة، استخدمتها لتمويل عملياتها.
ومن ناحية الاحتياطي، يُقدر الخبير سعيفان أن الاحتياطي الإجمالي بلغ 24 مليار برميل حتى 2006، لكن القابل للاستخراج لا يتجاوز 7 مليارات برميل، استُهلك منها 5 مليارات حتى 2010.
احتياج السوق المحلي وقبل العام 2011، كانت مصفاتا حمص وبانياس تستهلكان 240 ألف برميل يوميًا، حسب سعيفان، وكان الفائض (145 ألف برميل يوميًا في 2010) يُصدر عبر مكتب تسويق النفط، ولكن مع انهيار الإنتاج وفرض العقوبات، تحولت سوريا إلى الاستيراد بتكلفة تجاوزت 10 مليارات دولار خلال العقد الماضي، وفقًا لتقديرات غير رسمية.
وحاليًا، يُقدر الطلب المحلي بـ 150-200 ألف برميل يوميًا، بينما الإنتاج (120 ألف برميل) لا يكفي، مما يُولد عجزًا يُغطى بالاستيراد، وبالتالي فإن استعادة آبار الشرق قد تُلبي هذا الطلب وتُقلص الفاتورة الاستيرادية.
عودة الآبار تدعم خزينة الدولة من جهته، يؤكد الباحث الاقتصادي محمد غزال في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن الإنتاج السوري بلغ 102,410 برميل يوميًا بنهاية 2024، وارتفع إلى 120 ألف برميل حاليًا، منها 100 ألف من مناطق قسد (43 حقلًا).
ورأى أن عودة الحقول ستُعيد 90% من العائدات للخزينة، بإنتاج 200 ألف برميل يوميًا وسعر 80 دولارًا، وقد تصل العائدات إلى 5.8 مليار دولار سنويًا، مما يدعم الليرة التي خسرت 99% من قيمتها.
واعتبر أن هذه الإيرادات ستُسرع إعادة الإعمار ( التي تكلفتها 250-400 مليار دولار حسب الأمم المتحدة) وتُقلل تكاليف الطاقة، مما يُخفض التضخم، لكن الطاقة الكاملة (400 ألف برميل يوميًا) تحتاج استثمارات بمليارات الدولارات وشراكات دولية.
يشار إلى أن سوريا تمتلك ثلاث مناطق نفطية: الحسكة (نفط ثقيل منذ 1968)، دير الزور (نفط خفيف منذ 1985)، وتدمر (غاز).
وحسب سعيفان، فإن حقول دير الزور، مثل العمر والتنك، تُنتج نفطًا خفيفًا يُباع بسعر أعلى من نفط الحسكة الثقيل (كبريت 7%)، لكن إنتاجها الحالي 30-40 ألف برميل يوميًا، مقارنة بـ 100 ألف قبل 2011، بسبب تدمير البنية التحتية”.
ورأى أن إعادة التشغيل تحتاج استثمارات بـ 500 مليون دولار، وتعاونًا مع شركات مثل شل وتوتال، التي كانت تدير الحقول بعقود امتياز، وإذا ارتفع الإنتاج إلى 200-300 ألف برميل يوميًا خلال **3-5 سنوات، سيكون ذلك دفعة اقتصادية كبيرة، لكن الاستقرار الأمني ضروري”، حسب تعبيره.
تقليل الاستيراد وتحسن الناتج المحلي وفي سياق متصل، أشار الخبير والمحلل الاقتصادي عبد الحكيم المصري في حديث لمنصة سوريا، إلى أن العقوبات زادت تكلفة الاستيراد، والناتج المحلي انخفض من 60 مليار دولار في 2010 إلى 20 مليار في 2023.
وأفاد بأن عودة آبار النفط ستُقلل الاستيراد بنسبة 50-70% إذا ارتفع الإنتاج إلى 200 ألف برميل يوميًا، مما يُحسن الناتج المحلي، لكن الصيانة تشكل تحدٍ كبير، والعمل بكامل الطاقة قد يتطلب توقفات، ومن هنا فإن التعاون مع شركات مثل بتروكندا أو إينا الكرواتية، التي عملت في سوريا، يمكن أن يُحل مشكلة الصيانة مقابل نسبة من الإنتاج، وفق رأيه.
ووسط كل ذلك، فإن استعادة آبار شرقي الفرات قد ترفع الإنتاج من 120 ألف برميل يوميًا إلى 200-300 ألف برميل، مما يُدر عائدات بـ 4-6 مليارات دولار سنويًا، لكن ذلك يتطلب استثمارات ضخمة واستقرارًا، في حين يبقى النجاح مرهون بالتنفيذ الفعال.