شكا أهالي ريف اللاذقية الشمالي من استمرار التعدّي على الغابات الحراجية عبر قطع الأشجار بشكل غير شرعي بهدف الحصول على الحطب، مؤكدين أن هذه الظاهرة آخذة في التفاقم منذ ثلاثة أشهر.
وأوضح الأهالي أنهم أبلغوا الجهات المعنية مرارًا عن هذه السرقات التي أصبحت تهدّد الثروة الحراجية بالاندثار، لكنهم لم يروا سوى تحرّكات محدودة حتى وقت قريب.
وفي خطوة لافتة، أعلن مجلس محافظة اللاذقية عن ضبط 16 سيارة محمّلة بالحطب المخالف، تمّ قطعها بطريقة غير قانونية من غابات الريف الشمالي، حيث تمّ تسليم السيارات المخالفة إلى مديرية الزراعة، كما تمّ تحويل المتورّطين إلى القضاء لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم.
صعوبات ما بعد التحرير: واقع لا يرحم
رئيس دائرة الحراج المهندس جابر صقور، ذكر في حديث لمنصة سوريا ٢٤ حجم الصعوبات التي تعاني منها جهود حماية الثروة الحراجية في ظلّ الظروف الاستثنائية التي أعقبت سقوط النظام السابق.
وأشار إلى استغلال بعض ضعاف النفوس حالة الفلتان الأمني للتعدّي على الغابات بشكل منظّم، حيث إنّ الصعوبات اللوجستية والإدارية حالت دون القيام بالأعمال المطلوبة بالشكل المأمول.
ومن أبرز هذه الصعوبات، حسب صقور:
• غياب البنية التحتية: توقّف المواصلات العامة وعدم توفّر المحروقات اللازمة لتشغيل الآليات الحقلية، ممّا عرقل الجولات الميدانية ومصادرة الحاصلات الحراجية.
• نقص الكوادر البشرية: منح العمال المعنيين من المسرّحين من الخدمة العسكرية أو ذوي الشهداء إجازات مأجورة، ثم إنهاء عقودهم لاحقًا، ما أدّى إلى نقص كبير في الكفاءات العاملة في هذا المجال.
• تعطّل المؤسسات الحكومية: توقّف دور المحاكم ومديرية النقل وغيرها من الجهات التي يتطلّب العمل استخراج الوثائق منها، ممّا أثّر سلبًا على تنظيم العمليات الحراجية.
• استغلال التجار: ظهور فئة من التجار الذين امتهنوا التعدّي على الحراج بشكل منظّم، مستغلّين غياب الرادع الأخلاقي والقانوني لتحقيق مكاسب شخصية.
محاولات للحدّ من التعدّيات
رغم كل هذه الصعوبات، أكّد المهندس صقور أنّ الدائرة اتّخذت مجموعة من الإجراءات الهادفة إلى حماية الثروة الحراجية ضمن الإمكانيات المتاحة، والتي يمكن تلخيصها بما يلي، وفقًا لصقور:
1. التواصل مع المجتمع المحلي: العمل على بناء علاقة مباشرة مع الأهالي والوجهاء في المناطق الحراجية لتوعيتهم بأهمية الحفاظ على الغابات وتخفيف التعدّيات عليها.
2. تشكيل لجان أهلية: إصدار قرارات تتضمّن تشكيل لجان محلية من السكان للتعاون في حماية الغابات ومكافحة الحرائق.
3. الجولات الميدانية المشتركة: القيام بجولات مشتركة مع عناصر الأمن العام على المواقع الحراجية، وهو ما أسهم بشكل ملحوظ في تقليل التعدّيات.
4. مراقبة النقاط الحساسة: التنسيق مع الحواجز الأمنية المنتشرة على الطرق العامة لضبط السيارات التي تنقل الحطب بدون تراخيص نظامية.
5. تنظيم الضبوط الحراجية: إصدار أكثر من 200 ضبط حراجي منذ سقوط النظام، تمّ بموجبها حجز 39 آلية ومصادرة 40 منشارًا آليًا يعمل بالبنزين، وذلك وفقًا لأحكام قانون الحراج رقم (39) لعام 2023 وقانون الضابطة الحراجية رقم (26) لعام 2024.
6. إغلاق الطرق الحراجية: إقامة السواتر الترابية وحفر الخنادق لإعاقة نقل الحطب وتهريبه، رغم محاولات المخالفين إعادة فتح هذه الطرقات باستخدام الدراجات النارية.
الواقع كما يراه أبناء المنطقة
وقال شادي العوينة، أحد أبناء اللاذقية، في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “مع بداية سقوط النظام وغياب المؤسسات الحكومية لفترة معيّنة، استغلّ الكثير من الناس هذه الفترة لقطع الأشجار الحراجية والمتاجرة بها نظرًا للسعر المرتفع للحطب في مناطق شمال سوريا، كما تمّ استغلال الوقت أيضًا لحرق بعض الغابات وقطع أشجارها، وخاصة في الريف الشمالي الذي كان يعتبره نظام الأسد السابق منطقة عسكرية، حيث كان قد نهب ودمّر بيوتها سابقًا، فانعدمت المؤسسات وأشكال الحياة فيها”.
وأضاف العوينة: “حاليًا تعمل في بعض الأحيان دوريات لمنع القطع الجائر، وقد وصلني ضبط الكثير من السيارات والأفراد الذين يقومون بهذا العمل، ولكن الأمر يحتاج إلى تفعيل المخافر الحراجية في الأرياف، لأنّ الجهود الحالية ليست كافية لمواجهة حجم التعدّيات”.
تحدّيات مستمرة: الطريق نحو الحلول
على الرغم من الجهود المبذولة، فإن الواقع يشير إلى استمرار التعدّيات بسبب الفجوات الكبيرة في البنية التحتية والموارد البشرية والمادية، ومع ذلك، فإنّ التعاون بين الجهات الحكومية والمجتمع المحلي يمثّل بصيص أمل في معركة حماية الثروة الحراجية.
ويؤكّد المهندس صقور أن هذه الجهود تحتاج إلى دعم أكبر من كافة الأطراف المعنية لضمان استدامة الغابات وحمايتها للأجيال القادمة.
وتمثّل غابات اللاذقية ثروة وطنية وإرثًا بيئيًا لا يمكن تعويضه، وفي ظلّ التحديات الكبيرة التي تواجهها، يبقى الأمل معقودًا على تضافر الجهود الرسمية والشعبية لحماية هذه الغابات.