في تحول لافت ضمن جهود إعادة دمج مؤسسات “قسد” في هيكل الدولة السورية، ذكرت وكالة فرانس برس أنّ الجانبين توصلا إلى اتفاق لتشكيل إدارة مدنية مشتركة لسد تشرين الاستراتيجي الواقع على نهر الفرات شمال شرق حلب، في خطوة وُصفت بأنها أساسية لحماية منشآت البنية التحتية من الانهيار والانزلاق نحو تصعيد جديد.
وقال مصدر كردي لوكالة فرانس برس إن الاتفاق، الذي تم في إطار التفاهم الموقّع بين قائد قسد مظلوم عبدي والرئيس السوري أحمد الشرع في 11 آذار/مارس الماضي، يقضي بـ”إدارة السد بصيغة توافقية بين الطرفين، على أن تنسحب القوات العسكرية التابعة للإدارة الذاتية بالكامل من محيط السد، ويُسلَّم أمنه إلى جهاز الأمن العام التابع للسلطة المركزية”. وبدأ تنفيذ هذا الاتفاق ميدانيًا بانسحاب مئات العناصر من مناطق في حلب وعفرين.
سد تشرين، الذي يُعد ثاني أكبر السدود الكهرومائية في سوريا بعد سد الفرات، يُنتج نحو 630 ميغاواط من الكهرباء، ويغذي مناطق واسعة من الجزيرة، والرقة، والطبقة، وأطراف حلب.
كما يوفّر مياه الري لعشرات آلاف الهكتارات، ويساهم في تنظيم تدفق الفرات، ما يجعله شريانًا اقتصاديًا واستراتيجيًا بالغ الأهمية، ظل في قلب النزاع السوري طيلة سنوات الحرب.
وعلى خلفية هذا الاتفاق، حذر مصدر في المؤسسة العامة لإدارة السدود من أن أي تعثّر في تطبيق التفاهم السياسي القائم قد يؤدي إلى عودة الوضع الفني للسد إلى نقطة الصفر، وأضاف المصدر أن سد تشرين يجب أن يُعتبر “منشأة محمية غير خاضعة لأي تجاذبات عسكرية أو سياسية”، مؤكداً أن تحييده ضرورة قصوى لضمان سلامة البنية التحتية والطاقة في البلاد.
وكشف المصدر عن تفاصيل دقيقة للتدخلات الفنية التي نُفذت خلال الأسابيع الماضية لتفادي انهيار كارثي، بعد أن خرج السد مؤقتًا عن الخدمة نتيجة العمليات القتالية الأخيرة. وقال لمنصة سوريا 24: “بفضل جهود الكوادر الفنية المحلية، وبدعم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة اليونيسيف، تمكّنا من تشغيل مولدة ديزل بقدرة 1 ميغاواط لتأمين تغذية مؤقتة، واستخدام مضخات لسحب المياه من المناسيب المغمورة، ثم إعادة تشغيل عنفة واحدة من العنفات، قبل أن نؤمّن خط طاقة بديلًا من سد الفرات”.
وأشار المصدر إلى أن عودة السد إلى كامل قدرته الإنتاجية ما زالت مرهونة بتوفير قطع تبديل تقنية مصدرها الصين، وهي غير متوفرة حاليًا داخل سوريا، وأضاف: “نحتاج إلى دعم لوجستي وتقني دولي، لأن استعادة قدرة 630 ميغاواط تعني إمكانية تأمين الكهرباء لما لا يقل عن 8 ساعات يوميًا في عدد كبير من المناطق، وهو رقم مهم جدًا بالنظر إلى حاجة البلاد الإجمالية التي تُقدَّر بـ6000 ميغاواط لتأمين التيار على مدار 24 ساعة”، وأنّ “الفريق التقني قادر على إعادة تأهيل السد خلال فترة قصيرة”.
وفي ختام تصريحه، شدّد المصدر على ضرورة دعم الكوادر الفنية الوطنية التي حافظت على استقرار السد في ظروف بالغة التعقيد، محذرًا من أن إهمال هذه الكوادر أو تسييس مهامها قد يؤدي إلى “انهيار الجهود التقنية التي تم بناؤها بصعوبة”، داعيًا إلى التعامل مع السد “كملف سيادي إنساني في المقام الأول، لا كساحة للصراع”.
ويأتي هذا الاتفاق في وقت يشهد فيه شمال سوريا حالة إعادة تموضع سياسي وعسكري، وسط مؤشرات على رغبة مشتركة بين دمشق وبعض قوى الأمر الواقع بتفادي انفجار جديد قد يهدد ما تبقى من المنشآت الحيوية والبنى الأساسية في البلاد.
منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، شكّل سد تشرين أحد أبرز المواقع الحيوية التي كانت محورًا للتنافس والسيطرة بين القوى المحلية والدولية، نظرًا لموقعه الاستراتيجي وأهميته الاقتصادية، إذ يقع السد على نهر الفرات، على بُعد نحو 115 كيلومترًا شرق مدينة حلب و30 كيلومترًا من منبج، ويُعد من أكبر السدود السورية بعد سد الفرات.
أثناء سنوات الحرب، تداولت السيطرة عليه قوات النظام، وتنظيم داعش، ثم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حيث استخدمه كل طرف كورقة ضغط، سواء عسكريًا أو عبر التحكم بإنتاج الكهرباء وتوزيع المياه.
ولم يكن السد بمنأى عن التهديدات؛ إذ تعرّض مرارًا لأعمال قصف أو إهمال تقني كاد يؤدي إلى كوارث بيئية وإنسانية، لا سيما في فترات انقطاع التغذية الكهربائية أو توقف المضخات، مما هدد سلامة بنيته وخزانه، وسط تحذيرات من أن انهياره سيتسبب بكارثة إنسانية في المنطقة ويؤدي إلى انهيار سدي الفرات والبعث وغمر مساحات هائلة من الأراضي.
وبعد تشكيل الحكومة السورية الجديدة عقب سقوط نظام الأسد، عادت الأنظار إلى السد باعتباره منشأة لا بد من تحييدها عن الصراع وإخضاعها لإدارة مستقرة تضمن استمراريتها كمصدر حيوي للكهرباء والري في شمال سوريا.