استقبل محمد شياع السوداني، رئيس مجلس الوزراء العراقي، عدداً من مديري مراكز البحوث والدراسات السورية الذين زاروا بغداد بدعوة من المجموعة العراقية للسياسات الخارجية. وقد جاءت الزيارة التي استمرت يومين في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين سوريا والعراق، وفتح آفاق جديدة للتعاون السياسي والاقتصادي.
شملت الزيارة لقاءات متعددة مع شخصيات عراقية بارزة، مثل رئيس البرلمان محمود المشهداني، ورئيس تحالف عزم مثنى السامرائي، إلى جانب لقاءات موسّعة مع مراكز الدراسات العراقية، واختُتمت بلقاء مع رئيس الوزراء السوداني.
وأكد السوداني خلال لقائه الوفد السوري أن استقرار سوريا يمثل جزءاً لا يتجزأ من أمن العراق واستقرار المنطقة بأسرها. وأشار، في بيانٍ صادرٍ عن مكتبه الإعلامي، إلى أن التحديات المشتركة تتطلب تعزيز التعاون بين البلدين لتحقيق الأمن والتنمية المستدامة.
موقف داعم لوحدة سوريا ورفض التدخل الخارجي
ورحّب السوداني بالوفد السوري، مشدداً على موقف العراق الثابت الداعم لوحدة الأراضي السورية ورفض أي تدخل خارجي في شؤونها. وأكد أن مصلحة الشعب السوري يجب أن تكون الأساس الذي يحدِّد مستقبل البلاد، معبّراً عن قلق العراق إزاء التدخلات الأجنبية وتواجد قوات الكيان الغاصب على الأراضي السورية، باعتبارها تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي.
كما أبدى السوداني اهتمامه الكبير بدور مراكز البحوث والدراسات في بناء مجتمعات مستقرة، مشيراً إلى أن هذه المؤسسات كانت من التجليات البارزة للعراق الديمقراطي الجديد. وأكد أهمية العمل المشترك لتعزيز الهوية الوطنية الجامعة، وتجاوز الانقسامات التي فرضتها ظروف الماضي، مع التركيز على خطوات عملية لتعزيز العدالة الاجتماعية واستدامة التنمية.
ودعا السوداني الجانب السوري إلى الاستفادة من التجربة العراقية في بناء مؤسسات الدولة وتحقيق الاستقرار، مشدداً على أهمية تجاوز تبعات الماضي، والانطلاق نحو مستقبل مشترك. وأوضح أن التشابك بين العراق وسوريا يمتد عبر مختلف الأطر الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، مما يستدعي تعزيز التعاون لتحقيق تطلعات الشعبين الشقيقين.
تعزيز التعاون البحثي والمؤسساتي
وأوضح الدكتور سمير العبد الله، مدير وحدة تحليل السياسات في مركز حرمون للدراسات، أن الزيارة هدفت إلى تعزيز العلاقات الثنائية وسبل التعاون في مجالات بناء الدولة، ومواجهة التحديات السياسية والأمنية، وتطوير قنوات التواصل بين المؤسسات البحثية وصنّاع القرار، مع التأكيد على أهمية الاستفادة من التجربة العراقية في تجاوز الأزمات ودعم جهود التنمية والإعمار بما يرسّخ الاستقرار.
وأشار إلى أن القيادات العراقية أكدت دعمها لوحدة سوريا، ورفضها التدخل الخارجي، وأعربت عن رغبتها في فتح صفحة جديدة من التعاون الاقتصادي، تركز على المشاريع المشتركة ومعالجة الهواجس المتبادلة، بما يضمن استقرار سوريا كضرورة لتحقيق الأمن الإقليمي.
رؤية مشتركة لمستقبل متكامل
من جانبه، قال بسام قوتلي، مدير مجموعة البحث والإدارة، إن اللقاء بين مراكز الأبحاث السورية والعراقية في بغداد كان شاملاً وصريحاً، وتضمّن لقاءات مع قيادات دينية وسياسية من مختلف الأطياف، بالإضافة إلى لقاء رئيس الوزراء.
وأوضح أن الحوار شمل مناقشة مخاوف البلدين من التدخلات الخارجية والصراعات الطائفية، مؤكداً أن الرسالة العراقية كانت واضحة: وحدة سوريا ونجاحها يخدمان مصلحة العراق. كما أبدى الجانب العراقي استعداده للتعاون لتحقيق التكامل الاقتصادي.
مقترحات عملية للتكامل
وطرح الجانب العراقي عدة أفكار عملية، منها:
- إعادة تفعيل البروتوكول العراقي السوري.
- إشراك سوريا في مشروع طريق التنمية الذي يُنشأ حالياً بين ميناء الفاو وتركيا، على أن يمر جزء منه عبر سوريا إلى المتوسط.
- إنشاء مناطق صناعية على طول هذا الطريق.
كما بحث الطرفان إمكانية تقديم مساعدات إنسانية، وتوفير منح دراسية للطلاب السوريين في الجامعات العراقية، بالإضافة إلى التعاون في تطوير القطاع السياحي في سوريا لاستقطاب ملايين السياح العراقيين، ما قد يشكّل مصدرَ دخلٍ مهمٍّ للاقتصاد السوري، وفقاً للقوتلي.
وشدّد الجانبان على أن المرحلة المقبلة تتطلب تعاوناً وثيقاً لتحقيق التكامل الاقتصادي والسياسي، بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين ويؤسس لمرحلة من الاستقرار الدائم.
وأكدت الزيارة على عمق العلاقات الأخوية والتاريخية بين سوريا والعراق، وما تحمله من أبعاد اجتماعية واقتصادية، مع التأكيد على أهمية فتح صفحة جديدة من التعاون المثمر بين البلدين.