في خطوة لافتة تهدف إلى إحياء أحد أهم المعالم الثقافية في سوريا، تم إطلاق مشروع إنارة متحف تدمر الأثري، بتمويل من “مشروع البيت التدمري” وبالتنسيق مع لجنة تدمر المدنية.
المشروع، الذي يسعى لإبراز جمالية المتحف وإعادة الحياة إليه، يأتي جزءًا من الجهود المستمرة للحفاظ على الهوية التاريخية لمدينة تدمر التي عانت من دمار كبير خلال السنوات الماضية.
خبير الآثار محمد طه، مدير مشروع البيت التدمري، كان له دور محوري في الإشراف على هذا المشروع الحيوي.
وأكد طه في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن الهدف الأساسي من هذه المبادرة هو “إعطاء صورة لعودة الحياة لأهل تدمر من خلال رؤية معلم اعتادوا عليه منيرًا، وهو المتحف الذي رسخ في ذاكرتهم كجزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية، تمامًا كالمِنطقة الأثريّة، التي كانت المتنزَّهَ الأهمَّ لسكان المدينة”.
وأوضح طه آلية العمل قائلاً: “تمت هذه الخطوة بالتنسيق بين مشروع البيت التدمري ولجنة تدمر المدنية، حيث استُعين بخبرات محلية تطوعية لتنفيذ المشروع”، مشيرًا إلى أن هذا الجهد يأتي ضمن خطة أوسع تهدف إلى إنارة المنطقة الأثرية بالكامل في خطوات لاحقة.
وعن وضع المتحف الحالي، بيّن طه أن الأضرار التي لحقت به نتيجة قصف الطيران واعتداءات تنظيم داعش كبيرة، حيث تعرضت جدرانه للتلف، كما تسبب القصف بفتحة في السقف، مما يجعله حاليًا غير مؤهل لاستقبال الزوار.
وأضاف: “داعش دمّرت الكثير من محتويات المتحف أثناء سيطرتها على المدينة، لكن ما تبقى من القطع الأثرية والتماثيل تم توزيعه بين متاحف حمص ومستودعات المديرية العامة للآثار والمتاحف في دمشق”.
وفي سياق الحديث عن إعادة تأهيل المتحف، أشار طه إلى أن المديرية العامة للآثار والمتاحف ستُعيد المقتنيات إلى المتحف بعد تأهيله “وفق الأصول”، مشددًا على أن عملية الترميم تتطلب وقتًا وجهودًا كبيرة بسبب الصعوبات الكبيرة التي تعترض انطلاق مرحلة إعادة الإعمار.
تحديات أمام طريق الإعمار
وحول الجهود المستقبلية، قال طه: “سنعمل في مشروع البيت التدمري على السعي للحصول على منح أوروبية لدعم ترميم المتحف وتأهيله ليكون جاهزًا لاستقبال زوّاره من جديد”.
وأشار إلى أن حجم السرقات التي طالت الآثار السورية ليس كما يُصوَّر في الإعلام، لكنها تبقى تحديًا مستمرًا يتطلب اليقظة والمتابعة.
وفي رسالة إلى أبناء مدينة تدمر، أضاف طه: “أشكّل دعوة صادقة لكل أبناء المدينة للتكاثف والتشارك في إعادة الحياة إليها دون انتظار الغير ليأتي ويعمر مدينتنا، لأن ذلك قد يطول”.
جهود محلية لإزالة آثار الدمار
وعلى صعيد آخر، أشار طه إلى أن الشباب المتطوعين من أبناء المدينة قاموا بتنظيف المنطقة الأثرية وإزالة الألغام منها، باستثناء منطقة وادي القبور التي لا تزال بحاجة إلى المزيد من العمل، ومع ذلك، فآثار الدمار ما تزال واضحة في مواقع مثل قوس النصر، ومعبد بل، ومعبد بعل شمين، وواجهة منصة المسرح التي تعرضت للدمار نتيجة اعتداءات داعش وقصف النظام.
رسالة أمل للمستقبل
مشروع إنارة متحف تدمر ليس مجرد خطوة تقنية لتوفير الإضاءة، بل هو رسالة أمل تؤكد إصرار أبناء المدينة على استعادة وجهها الحضاري رغم كل الصعاب.
ويأمل القائمون على المشروع أن تكون هذه الخطوة بداية لمزيد من المبادرات التي تخدم أهالي تدمر وتعزز صمودهم، وتضع المدينة مجددًا على خارطة السياحة والثقافة العالمية.
ويبقى متحف تدمر رمزًا لأمجاد الماضي، وشاهدًا على عراقة مدينة كانت يومًا مركزًا للحضارات الإنسانية، حيث إن إنارة المتحف اليوم ليست سوى شعلة صغيرة تضيء الطريق نحو مستقبل أكثر إشراقًا لهذه المدينة العريقة.