دير الزور: معاناة العائدين إلى مناطقهم تتفاقم في ظل غياب الدعم

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - SY24

أكد رئيس مجلس بلدية البوكمال بريف دير الزور، المهندس راغب وفيق النعمان، أن المدينة تواجه تحديات جسيمة على صعيد الخدمات الأساسية والبطالة، مع عودة آلاف العائلات المهجّرة إلى مناطقهم الأصلية.

وأشار في حديث لمنصة “سوريا ٢٤” إلى أن السكان يعانون من نقص حاد في المياه والكهرباء وخدمات النظافة، بالإضافة إلى غياب فرص العمل الكافية التي تضمن لهم لقمة عيش كريمة.

ومع إعلان مكتب تنسيق العمل الإنساني بمحافظة دير الزور عن عودة 9247 عائلة، تضم حوالي 36237 فردًا إلى مناطقهم الأصلية بعد سنوات من النزوح القسري بسبب الحرب، تتكشّف مشاهد مأساوية تشير إلى حجم التحديات التي تواجه السكان العائدين، ولا سيما في مدينة البوكمال، حيث تبدو الخدمات الأساسية شبه معدومة، والبنية التحتية مدمّرة بالكامل، ما يضع ضغوطًا كبيرة على الأهالي الذين يحاولون استعادة حياتهم الطبيعية.

أوضاع مزرية: المياه والكهرباء غائبتان

مدينة البوكمال، التي تُعدّ واحدة من أكثر المناطق تضررًا خلال السنوات الأخيرة، تعكس بشكل واضح الصورة المأساوية لواقع محافظة دير الزور.

هاني الحمادي، أحد سكان المدينة، وصف الأوضاع الخدمية بأنها “تعيسة”، مؤكداً في حديث لمنصة “سوريا ٢٤” أن المياه شبه مقطوعة تمامًا، والمصافي قديمة ومتهالكة، مما يجعل المياه غير صالحة للشرب أو الاستخدام الآمن.

وقال الحمادي: “المضخّات معطّلة، والمياه غير معقّمة، والمدينة بأسرها تعتمد الآن على آبار ارتوازية بدائية لتوفير احتياجاتها اليومية. حتى هذه الجهود لا تفي بالغرض، فالآبار بحاجة إلى صيانة مستمرة، وهو أمر نادر الحدوث بسبب غياب الدعم الحكومي”.

أما الكهرباء، فهي الأخرى قصة من المعاناة اليومية، حيث أوضح الحمادي أن التيار يصل لمدة 40 دقيقة فقط كل خمس ساعات، وأحيانًا يتوقف لأيام متتالية بسبب التعديات المتكررة على الشبكة. كما أن شبكة الإنترنت تعاني من تدهور كبير، حيث إن معظم أجهزة التوجيه (الراوترات) معطّلة، وإن توفرت فإنها تعمل بشكل متقطّع وغير مستقر.

 أزمة صحية مستفحلة

أحد أبرز المشكلات التي تهدد حياة السكان هو غياب الرعاية الصحية، إذ لم تشهد مدينة البوكمال منذ سنوات وجود مشفى حكومي يقدم خدمات طبية شاملة، مما يعني أن أي حالة إسعافية يتم نقلها إلى مدينة دير الزور، وهي عملية قد تستغرق ساعات طويلة وتعرض حياة المرضى للخطر.

لكن بعض الجهود المحلية بدأت تظهر نتائجها، إذ تكفّلت منظمة “أطباء بلا حدود” بإدارة مشفى العيادات الشاملة، الذي يقدم خدمات طبية للأطفال والنساء فقط.

وفي الوقت نفسه، تم تشكيل لجنة أهلية لجمع التبرعات لإعادة تشغيل مشفى “عائشة”، لكن الأموال المتوفرة لا تزال بعيدة عن الحاجة الفعلية.

وأكد الحمادي أن تجهيز المشفى يحتاج إلى نحو 500 ألف دولار، بينما تم جمع 100 ألف دولار فقط حتى الآن.

غياب الخدمات الأساسية وانتشار القمامة

الأزمة لا تتوقف عند المياه والكهرباء والصحة، فالمدينة تعاني أيضًا من غياب النظافة العامة، حيث تكدّست القمامة في الشوارع دون أي حلول واضحة. وأشار الحمادي إلى أن جميع الدوائر الحكومية تعاني من نقص حاد في الموظفين والأدوات اللازمة لتقديم الخدمات الأساسية، مثل جمع القمامة وإصلاح الطرق.

وفي هذا السياق، قال المهندس راغب وفيق النعمان، رئيس مجلس بلدية البوكمال: “أهم المعاناة التي نواجهها اليوم تتعلّق بتأمين الخدمات الأساسية للمواطنين، مثل الكهرباء وخدمات النظافة في المدينة. بالإضافة إلى ذلك، هناك نقص في فرص العمل المتاحة للناس، مما يزيد من معاناتهم اليومية”.

ولفت إلى أن أغلب المواطنين الذين يراجعون البلدية يطلبون تأمين فرص عمل لهم، سواء في مجالات مثل الصيانة العامة أو تنظيف الساحات أو غيرها من الأعمال: “الناس يريدون لقمة عيش كريمة وتأمين احتياجاتهم الأساسية”.

وأضاف النعمان: “على الرغم من هذه التحديات، شهدت بعض الخدمات تحسّنًا ملحوظًا بعد تركيب محطات الكهرباء الجديدة وتوفير الخبز بشكل أفضل. والحمد لله، لم تعد هناك مشكلة كبيرة في توفير الخبز كما كان سابقًا، ولكن لا تزال هناك تحديات مستمرة تتعلّق بالماء والكهرباء والنظافة، ونأمل أن يستمر التحسّن وأن يعمّ الخير على الجميع”.

عودة تدريجية ولكن بشروط صعبة

وبحسب الإحصائيات الصادرة عن مكتب تنسيق العمل الإنساني، فإن منطقة البوكمال استقبلت أكبر عدد من العائلات العائدة، حيث بلغ عددها 2090 عائلة (9747 شخصًا). أما باقي المناطق، فقد توزّعت العودة بين مدينة دير الزور (1629 عائلة)، ناحية التبني (1354 عائلة)، ومنطقة الميادين (4174 عائلة).

وتعكس هذه الأرقام رغبة السكان في العودة إلى ديارهم واستعادة حياتهم الطبيعية، إلا أن الواقع الخدمي والاقتصادي يفرض تحديات هائلة أمام تحقيق هذا الهدف، فالعائلات العائدة تجد نفسها مجبرة على الاعتماد على المساعدات والتبرعات الشعبية، والتي غالبًا ما تكون غير كافية لتلبية الاحتياجات الأساسية.

وفي هذا السياق، أكد الحمادي أن “المدينة تحتاج إلى كل شيء”، داعيًا الجهات المعنية إلى التدخل الفوري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تتفاقم الأزمات وتتحول إلى كارثة إنسانية شاملة.

وفي ظل غياب الدعم الرسمي وتعثّر جهود إعادة الإعمار، يبقى الأمل معقودًا على المنظمات الإنسانية الدولية والجهات المانحة لتوفير الدعم اللازم لتحسين الأوضاع في دير الزور، فالسكان العائدون يحتاجون إلى مساعدات عاجلة في مجالات المياه والكهرباء والصحة والتعليم، بالإضافة إلى برامج لإعادة تأهيل البنية التحتية المدمّرة.

مقالات ذات صلة