تمثل مشاركة سوريا المرتقبة في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، المقرّر عقدها في واشنطن أواخر الشهر الجاري، خطوة غير مسبوقة منذ عقدين، إذ تعكس تحولًا محتملًا في التعامل الدولي مع الحكومة السورية، وتحمل دلالات سياسية واقتصادية قد تكون لها تداعيات طويلة الأمد على مستقبل سوريا.
عودة إلى الساحة الدولية
الوفد السوري، الذي يضم وزير الخارجية أسعد الشيباني، ووزير المالية محمد يسر برنية، ومحافظ مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية، يمثّل أعلى مستوى تمثيل رسمي سوري في مثل هذه الاجتماعات منذ فترة طويلة.
ويأتي هذا الحضور في وقت حساس للغاية بالنسبة لسوريا، التي تعاني من انهيار اقتصادي وتدمير شامل للبنى التحتية نتيجة سنوات الحرب والعزلة الدولية.
وفي هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور فراس شعبو، في حديث لمنصة سوريا 24، إن “عودة سوريا إلى المنظومة المالية العالمية تكتسب أهمية سياسية ورمزية أكثر من كونها اقتصادية”، ويضيف أن هذه الخطوة تعكس اعترافًا بشرعية الحكومة السورية، مشيرًا إلى أنها قد تكون بداية لكسر حالة العزلة المالية التي استمرت لسنوات.
فرصة لإعادة الإعمار
من جانبه، يوضح الدكتور حسن عليوي، المتخصص في الاقتصاد الإسلامي، في حديث لمنصة سوريا 24، أن سوريا تحتاج الآن إلى انفتاح اقتصادي وسياسي على جميع الدول المؤثرة في الملف السوري، بما في ذلك الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي، ودول الخليج، ودول الجوار: “سوريا بحاجة إلى رفع العقوبات التي تؤثر بشكل سلبي على ملفات شائكة مثل إعادة الإعمار، وتسهيل وصول العملة الصعبة إلى البنوك السورية، وملفات الأمن والخدمات وتوفير فرص العمل”.
وتواجه سوريا تحديات هائلة في إعادة بناء مؤسسات الدولة وإطلاق عجلة الإعمار، وقد أكّد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، توم فليتشر، في إحاطته أمام مجلس الأمن قبل أيام، على أن تحسين الخدمات الأساسية يُعدّ ركيزة أساسية لتهيئة الظروف الملائمة لعودة اللاجئين والنازحين. ومع ذلك، فإن العقوبات الغربية والقيود الاقتصادية لا تزال تُشكّل عائقًا رئيسيًا أمام جهود إعادة الإعمار.
وترغب الإدارة السورية الجديدة في إعادة الاندماج في النظام المالي العالمي من خلال رفع العقوبات المفروضة على مؤسساتها المالية، وخاصة البنك المركزي، والسعي لإعادة سوريا إلى منظومة “سويفت” لتسهيل المعاملات المالية الدولية، إذ يُعدّ هذا الأمر خطوة حيوية لتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد وبدء مرحلة التعافي وإعادة الإعمار.
رسالة إيجابية أم مجرد رمزية؟
وإذا تم رفع الحظر عن البنك المركزي السوري وإعادته إلى منظومة سويفت، فإن ذلك سيتيح لسوريا استئناف العلاقات المالية والمصرفية مع العالم الخارجي، وبالتالي فإن استبعاد سوريا من هذا النظام يعني أنها غير قادرة على إجراء المعاملات المالية الدولية، مما يعيق التجارة الخارجية والاستثمارات.
كما أن وجود سوريا في هذه الاجتماعات يحمل رسالة إيجابية عن عودتها إلى السياق العالمي، لكن، كما يشير الدكتور شعبو، فإن الآثار الاقتصادية لهذه الخطوة مرتبطة بالوضع العام واستقرار البلاد: “على المدى الطويل، قد تفتح هذه الخطوة الباب أمام استثمارات عملاقة وشركات متعددة الجنسيات، خاصة نظرًا لموقع سوريا الاستراتيجي”.
ومع ذلك، يشدد على أن تحقيق هذه الفوائد يعتمد بشكل كبير على السياسات الدولية والمواقف الأمريكية، حيث إن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لا يعملان بعيدًا عن التأثيرات السياسية.
تحديات مستقبلية
ورغم أهمية هذه الخطوة، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه سوريا، أولها الحصول على تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة، وهو أمر لم يتضح بعد، كما أن عدم وجود تعليق رسمي من قبل الحكومة السورية أو مؤسستي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يعكس غموضًا حول طبيعة هذه الزيارة وأهدافها.
وعلاوة على ذلك، فإن العقوبات الغربية لا تزال تفرض قيودًا صارمة على النظام المالي والاقتصادي السوري.
وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي قد فرضوا عقوبات صارمة على سوريا بعد قمع الاحتجاجات الشعبية في عام 2011، وبالتالي، فإن أي تقدم حقيقي يتطلب جهودًا دولية جادة لرفع هذه العقوبات وتشجيع الاستثمار في سوريا.
اجتماعات جانبية قد تكون حاسمة
ويشير مصدران من وكالة “رويترز” إلى احتمالية عقد اجتماع رفيع المستوى على هامش هذا المؤتمر، يُناقش الملف السوري ورفع العقوبات ويسلط الضوء على جهود إعادة الإعمار، وإذا ما تم تنظيم مثل هذا الاجتماع، فقد يكون له تأثير كبير على مستقبل العلاقات الدولية مع سوريا، خاصة إذا شاركت فيه دول مؤثرة مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
إن مشاركة سوريا في اجتماعات صندوق النقد والبنك الدولي تمثل بداية مهمة، لكنها ليست نهاية الطريق. ولتحقيق الأهداف الاقتصادية والتنموية، تحتاج سوريا إلى دعم مستمر وجهود استراتيجية تستهدف كسب ثقة المجتمع الدولي. وفي الوقت نفسه، يجب على الحكومة السورية أن تُظهر التزامًا حقيقيًا بإصلاحات داخلية وسياسات شفافة لتعزيز الثقة وجذب الاستثمارات.