رغم التراجع النسبي في أسعار العديد من السلع وتوافر المنتجات المحلية والمستوردة في أسواق مدينة حلب، ما زالت الحركة التجارية تشهد جمودًا ملحوظًا، وسط شكاوى من غياب القدرة الشرائية لدى شريحة واسعة من السكان، وتدهور السيولة النقدية، وتعقيدات سحب الأموال من البنوك.
ويبدو أن الانخفاض المسجّل في سعر صرف الدولار، إلى جانب الإجراءات الجمركية الأخيرة، لم ينعكس بصورة فاعلة على تحريك الأسواق أو رفع مستويات الاستهلاك، بل بقيت المتاجر شبه خالية، والتجار يترقّبون، والمواطنون يؤجّلون شراء الضروريات، في انتظار تحسّن محتمل في الأوضاع الاقتصادية.
المواطن يفضّل السلعة الأرخص رغم تقارب الجودة بين المنتجات
قالت خولة، وهي من سكان مدينة حلب، إن السلع المستوردة، لا سيما التركية، ما زالت تحظى بإقبال واسع، رغم تقارب أسعارها مع السلع المحلية.
وأوضحت في تصريحها لـ”سوريا 24” أن “الرسوم الجمركية التي تم فرضها مؤخرًا ساعدت على خلق نوع من التوازن في الأسعار، إلا أن الغلبة ما زالت للسلع الأجنبية، التي تُفضّل عادةً لفرق طفيف في السعر أو اختلاف في التعبئة والمظهر”.
وأشارت إلى أن “بعض المنتجات المحلية تتميز بجودة عالية، إلا أن أسعارها لم تنخفض بما يتناسب مع تراجع سعر الصرف أو انخفاض التكاليف العالمية، وذلك يُعزى عادةً إلى ارتفاع كلفة المواد الأولية ونقص المحروقات”.
ونوّهت إلى أن هذا الواقع دفع العديد من المواطنين إلى تأجيل الشراء، على أمل تحسّن الأسعار لاحقًا، مضيفةً: “نحن بحاجة إلى تحديد أسعار منطقية، وتوفير رقابة حقيقية على الأسواق، مع منح التجار هامشًا من الحرية بما يضمن استمرارهم ويخفّف العبء عن المستهلك”.

الأسعار انخفضت ولكن السيولة غائبة
من جهته، قال السيد زكريا أحمد، وهو تاجر مواد غذائية في حلب، إن الأسعار شهدت انخفاضًا ملحوظًا خلال الفترة الأخيرة، مرجعًا ذلك إلى “تراجع سعر صرف الدولار، وفتح السوق أمام تدفّق البضائع، ما ساهم في وفرة العرض وتراجع بعض الأسعار”.
وأوضح في تصريحه لـ”سوريا 24” أن “بعض السلع ارتفعت أسعارها، لا سيما تلك التي سُمح بتصديرها مثل اللحوم، إضافة إلى المشروبات الغازية التي ارتفع الطلب عليها مع دخول فصل الصيف”.
ولفت إلى أن “الرسوم الجمركية كانت منطقية ومقبولة، ولم تتسبب في رفع كبير للأسعار، بل ساعدت في الحفاظ على نوع من الاستقرار”.
إلا أنه أشار إلى أن “رغم انخفاض الأسعار وتوفر المواد، فإن حركة السوق لا تزال ضعيفة للغاية، بسبب غياب السيولة النقدية لدى المواطنين، وتوقّف عدد كبير من الموظفين عن العمل، بالإضافة إلى صعوبات سحب الأموال من البنوك”.
وختم أحمد حديثه بالقول: “الوضع حاليًّا أشبه بما يُقال في الأمثال: الجمل بليرة، ولكن لا أحد يملك الليرة”.
جولات تموينية على الأسواق وتفعيل المختبر لضبط الجودة
في السياق ذاته، أوضح عادل محمد الحلاق، مدير مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حلب، أن المديرية تنفّذ جولات رقابية يومية صباحية ومسائية على مختلف الفعاليات الاقتصادية والأسواق والأفران في المدينة، بهدف مراقبة الوزن، وضبط الجودة، والتأكّد من الالتزام بالشروط الصحية.
وأشار في تصريح خاص لـ”سوريا 24” إلى أن هذه الجولات تركز على “متابعة انتهاء صلاحية المواد، والتأكّد من إعلان الأسعار، وضبط بيع اللحوم، بالإضافة إلى مراقبة المسابح وخدمة الأمبيرات في الأحياء”.
وأضاف الحلاق أنه تم إعادة تفعيل المختبر التابع للمديرية، مما أتاح سحب عينات من المواد المعروضة في السوق، وتحليلها للتحقق من مطابقتها للمواصفات القياسية السورية، وضمان السلامة الغذائية.
ونوّه إلى أهمية تعاون المواطنين مع فرق الرقابة، مشيرًا إلى أن المديرية “تستقبل الشكاوى عبر الرقم 119”، وأنّ “المديرية تعمل على إعداد تقارير يومية تُرفع إلى الوزارة المختصة لمتابعة تطورات السوق ومدى توافر البضائع فيه بشكل دائم”.
تتّفق آراء المواطنين والتجار والمسؤولين على أن انخفاض الأسعار وتوافر المواد لا يكفيان وحدهما لتحريك الأسواق، في ظل غياب دخل فعلي لغالبية الأسر، وتراجع القدرة الشرائية، واستمرار أزمة السيولة النقدية.