حي القابون: تلوث المياه وانقطاع الكهرباء يفاقمان معاناة السكان

Facebook
WhatsApp
Telegram

SY24 -خاص

في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي يواجهها السوريون، يعاني سكان حي القابون في دمشق من تدهور غير مسبوق في الخدمات الأساسية، مما يُهدد حياتهم اليومية وسلامتهم الصحية، فبين انقطاع الكهرباء المتكرر واختلاط مياه الصرف الصحي الملوثة بمياه الشرب، يجد الأهالي أنفسهم عالقين في دوامة من الإهمال وغياب الحلول الجدية.

القابون تحت التنظيم: منطقة بلا خدمات

ويؤكد خالد القاضي، أحد سكان حي القابون في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن المنطقة مسجلة رسميًا تحت مسمى “التنظيم”، وهو تصنيف يُستخدم غالبًا للمناطق التي تعرّضت للتدمير الكامل خلال سنوات الحرب: “بسبب هذا التصنيف، لا توجد أي خدمات أساسية مقدمة لنا. حتى المحولات الكهربائية غير متوفرة، وتأمين المواد اللازمة لإصلاح الشبكات أمر بالغ الصعوبة”.

أما عن المياه، فهي الأخرى تعاني من مشكلات خطيرة، حيث يشير القاضي إلى وجود اختلاط بين مياه الفيجة النظيفة ومياه الصرف الصحي، ما يشكّل خطرًا صحيًا كبيرًا على الأهالي: “حاولنا كأهالي إصلاح بعض المشكلات بأنفسنا، لكن الحلول المؤقتة ليست كافية، إذ تم إصلاح شبكات المياه بنسبة 50% فقط، وما زلنا نعاني من تلوث المياه”.

كما يشير القاضي إلى محاولات تشكيل لجان خدمية محلية ضمن الحي، إلا أن هذه الجهود لم تُسفر عن نتائج ملموسة حتى الآن: “تشكيل لجنة خدمية لكل فرع ومجلس محلي قيد التنفيذ، لكن لم يتم أي عمل حقيقي حتى اللحظة”.

انهيار نظام الكهرباء: قصة سرقة وتهميش

من جانبه، يقدم عبد المعين الهبول، ابن حي القابون وأحد سكان المنطقة وأعضاء مؤسسة الكهرباء ولجنة الخدمات، في حديث لمنصة سوريا ٢٤، صورة مفصلة عن الانهيار الكامل لنظام الكهرباء في الحي.

ويوضح الهبول أن حي القابون تعرّض بعد عام 2017، الذي شهد تهجير أهله، لواحدة من أكبر عمليات السرقة المنظمة للبنية التحتية.

يقول الهبول: “تمت سرقة كامل الشبكة الكهربائية من كابلات وقواطع وخطوط توتر منخفض ومتوسط، بالإضافة إلى العدادات المنزلية والتجارية، وحتى المحولات. هذا النهب الشامل أدى إلى انهيار كامل لمنظومة الكهرباء في الحي”.

وعندما سُمح بعودة نسبة ضئيلة جدًا من الأهالي (حوالي 3%) في عام 2019، لم تكن هناك أي شبكة كهرباء تعمل، واضطر السكان إلى مد شبكة عشوائية باستخدام كابلات غير مخصصة لنقل الكهرباء، مما أدى إلى انخفاض الجهد الكهربائي الطبيعي (220 فولتًا) إلى أقل من 70 فولتًا، أي ثلث المطلوب لتشغيل الأجهزة الكهربائية، وفق الهبول.

ويضيف الهبول: “اضطررنا إلى تصنيع منظمات كهربائية خاصة تعمل على رفع قيمة الفولت لتتناسب مع الوضع في القابون. هذه المنظمات غير موجودة في أي منطقة أخرى في سوريا”.

ورغم المطالبات المستمرة من الأهالي بتوفير حلول دائمة، فإن السلطات لم تستجب سوى بتركيب محولة كهرباء واحدة فقط في مبنى قسم شرطة القابون بقيمة 1000 كيلو فولت أمبير (K.V.A)، لكن الحاجة الفعلية تتجاوز ذلك بكثير، إذ يحتاج الحي إلى 7 محولات إضافية لتغطية المنازل التي لم يَطَلْها التدمير، كما يتطلب الحي شبكة كهربائية جديدة، سواء كانت هوائية على الأعمدة أو أرضية تحت الأرض.

المخالفات التعسفية: عقوبة إضافية للأهالي

وعلى الرغم من غياب الشبكة الكهربائية الرسمية، كان موظفو الشركة العامة للكهرباء يفرضون مخالفات على الأهالي بحجة استجرار الكهرباء بطريقة غير مشروعة، إذ تصل قيمة هذه المخالفات إلى حوالي 1.5 مليون ليرة سورية (نحو 100 دولار)، وهي مبالغ كبيرة بالنسبة للأهالي الذين يعيشون في ظروف اقتصادية صعبة.

يقول الهبول: “كان الموظفون يُرافَقون أثناء تحرير المخالفات بعناصر من الضابطة العدلية، ومن لا يسدد المخالفة يُحال إلى المحكمة ومن ثم إلى السجن، وهذا الواقع كان قائمًا حتى تاريخ 8 كانون الأول/ديسمبر 2024”.

وبالإضافة إلى الكهرباء والمياه، يعاني سكان القابون من غياب الخدمات الأساسية الأخرى، إذ يؤكد الهبول أن الحي لا يمتلك شبكة هاتف أرضي، وبالتالي لا يمكن استخدام بوابات الإنترنت عبر تقنية ADSL، كما أن تغطية شبكات الهاتف المحمول (MTN وSyriatel) سيئة للغاية، ما يضطر السكان إلى الصعود إلى أسطح المباني أو الطوابق المرتفعة للحصول على إشارة.

مياه الشرب والتلوث البيئي: معركة يومية

وفي وقت تُعتبر فيه مياه الشرب “مقبولة” من حيث التوفر، إلا أنها تحتاج إلى تعقيم وتأكيد سلامة صحية مستمرة.

وفي هذا الصدد، يشير الهبول إلى أن المياه تواجه مشكلات متعددة، منها الهدر تحت الأبنية المهدمة ونقص الضغط، مما يستلزم استخدام مضخات كهربائية لرفع المياه إلى خزانات المنازل، ومع ضعف الكهرباء، تصبح هذه العملية تحديًا إضافيًا.

أما عن مشكلة الصرف الصحي، فهي تفاقمت بشكل كبير بسبب غياب الشبكة الرسمية، وهنا يوضح الهبول أن مياه الصرف الصحي تتدفق إلى نهر يزيد، أول فرع من أفرع نهر بردى السبعة، مما يؤدي إلى أضرار بيئية وصحية كبيرة، بما في ذلك انتشار الحشرات والروائح الكريهة.

ويعبّر الهبول عن الألم الكبير الذي يعيشه أهالي القابون، قائلًا: “كل سوريا عانت من الخسائر والشهداء والمجازر، لكن معاناة أهل القابون أكبر لأنهم عاشوا معاناة السوريين بالكامل، ثم فقدوا منازلهم وذكرياتهم وكل شيء يؤويهم، وأغلب المحافظات يمكن لأهلها العودة وإعادة بناء منازلهم، أما نحن فلا يوجد لدينا حتى مكان نعرف فيه موقع بيوتنا السابقة”.

وفي ظل هذا الواقع المأساوي، يبقى أمل أهالي القابون معقودًا على الجهات المعنية لتوفير حلول جذرية لمشكلاتهم التي تتفاقم يومًا بعد يوم.

مقالات ذات صلة