بعد سنوات من الدمار والانقطاع عن تقديم الخدمات الطبية، أُعيد افتتاح مستشفى الأطفال في حلب ليشكل نقلة نوعية في القطاع الصحي، لا سيما في ظل الاحتياجات المتزايدة لعلاج الأطفال في المنطقة.
المستشفى الذي يخدم محافظة حلب بالإضافة إلى إدلب وريفها الشمالي والمناطق الشرقية مثل الرقة ودير الزور، يُعدّ أحد أهم المشاريع الصحية التي تم إعادة تأهيلها بعد سنوات من الصراع الدائر في سوريا.
خدمات شاملة تحت سقف واحد
يحتوي المستشفى على 140 سريراً موزعة على ثلاثة طوابق، ويضم قسماً متخصصاً لرعاية الأطفال حديثي الولادة عبر وحدة الحواضن التي تتسع لأكثر من 45 حاضنة.
كما يقدم خدمات العناية المشددة للأطفال، وهي الخدمة التي تُعدّ جزءاً أساسياً من خطته لتخفيف العبء عن المشافي الأخرى في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، يتضمن المستشفى قسم عمليات متخصصاً في الجراحات الصدرية والهضمية للأطفال، وهو ما يمثل إضافة كبيرة للخدمات الطبية المتاحة.
ومع ذلك، فإن الإقبال الكبير على العمليات الجراحية، حيث بلغت قائمة الانتظار 300 عملية، يعكس الحاجة الماسة إلى مزيد من الكوادر الطبية لتوسيع نطاق العمل.
قصص إنسانية من ردهات المستشفى
وقالت عيد الموسى البكرى، من قرية المالكية غربي منطقة السفيرة، في حديثٍ لمنصة سوريا ٢٤، عن رحلة علاج ابنها الذي كان يعاني من التهاب حاد في الطرف الأيمن وارتفاع شديد في الحرارة:
“بعد أن فشلت المحاولات الأولية لعلاج طفلي في مشافٍ أخرى، جئنا إلى هذا المستشفى، وهنا كانت الخدمة ممتازة، والأطباء والممرضات لم يقصروا في تقديم الرعاية اللازمة، وحتى الآن، يتم متابعة حالته يومياً، ولم يخبرونا بعد عن موعد خروجه، لكنهم أكدوا أنهم لن يتركونا إلا بعد التأكد من تعافيه تماماً”.
أما حسن الحسين قرموز، من قرية السفيرة، فقد أشار في حديثٍ لمنصة سوريا ٢٤، إلى معاناته المالية أثناء رحلة علاج زوجته، قائلاً:
“أنفقت الكثير من المال على العلاج والتنقلات، إذ بلغت التكاليف حوالي 350 ألف ليرة سورية، ولكن عندما جئنا إلى هذا المستشفى، استقبلونا دون أي تعقيد أو مشاكل، وتعاملوا معي كأنني مواطن عادي، وليس لدي أي امتيازات خاصة. أنا راضٍ عن التعامل هنا، سواء مع الأطباء أو الممرضات”.
تحديات تواجه إدارة المستشفى
وأوضح الدكتور معن دبا، مدير المستشفى، في حديثٍ لمنصة سوريا ٢٤، أن هذه المؤسسة الصحية تعرضت للتدمير الكامل خلال الحرب، ولكنها أُعيدت للحياة قبل أربع إلى خمس سنوات بجهود منظمة الصحة العالمية:
“افتتحنا المستشفى رسميًا في 12-1-2025، رغم الصعوبات الكبيرة، وخاصة نقص الكادر البشري من الأطباء والممرضين، وبدأنا العمل بنسبة 25% فقط من طاقة المستشفى، حيث فتحنا جناحاً للأطفال بسعة 20 سريراً وقسم حواضن يضم 12 حاضنة”.
وتابع: “شهدنا إقبالاً كبيراً منذ اليوم الأول، حيث بلغت نسبة الإشغال 100%، وبناءً على ذلك، قررنا توسيع الخدمات الطبية، وفتحنا قسم العناية المشددة المجهز بأحدث أجهزة التنفس الاصطناعي، وبدأنا إجراء العمليات الجراحية للأطفال، ومع ذلك، نعمل حالياً فقط يومي الأحد والاثنين بسبب نقص الكادر الطبي، ونأمل التعاقد مع المزيد من الأطباء والممرضين لزيادة عدد العمليات الشهرية إلى 100–150 عملية”.
رؤية مستقبلية وآمال كبيرة
وأشار الدكتور دبا إلى أن المستشفى يخطط لفتح المزيد من العيادات المتخصصة، مثل عيادة الأنف والأذن والحنجرة للأطفال، وعيادة الأمراض العصبية. ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر هو نقص الكادر البشري، حيث يعمل في المستشفى 105 عناصر تمريض فقط، وكادر إداري لا يتجاوز 10 أفراد.
واختتم الدكتور دبا حديثه بالقول:
“نأمل أن يتم تزويدنا بالمزيد من الكوادر البشرية قريباً، مما سيتيح لنا تقديم خدمات طبية أكثر شمولية وخدمة أكبر عدد من المرضى”.
مستشفى الأطفال في حلب ليس مجرد منشأة صحية، بل هو رمز للأمل والصمود في وجه التحديات. ورغم النقص في الكوادر والإمكانات، يواصل المستشفى تقديم خدماته بأفضل ما يمكن، ليكون نموذجاً يُحتذى به في كيفية إعادة بناء الحياة بعد سنوات من المعاناة الصحية والإنسانية للسوريين.