بدائل تنموية: دعم الزراعة والصناعة لتحسين حياة السوريين

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - SY24

بعد مرور أكثر من 14 عامًا على الصراع الذي مرّت به سوريا، لا تزال البلاد تعاني أوضاعًا مأساوية تهدّد حياة ملايين السوريين الذين يواجهون تحديات جسيمة في توفير احتياجاتهم الأساسية، وخاصة الغذاء.

وتبرز الحاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى تبنّي استراتيجيات وطنية تعتمد على الذات وتستثمر في الموارد المحلية.

ومن خلال تعزيز القطاع الزراعي، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتحديث التشريعات الاقتصادية، واسترداد الأموال المهرّبة، يمكن تحقيق بداية حقيقية للنهوض بالاقتصاد الوطني وتحسين مستوى معيشة المواطنين.

ومع ذلك، فإن نجاح هذه الجهود يتطلّب إرادة سياسية قوية وتعاونًا دوليًا وإقليميًا فعّالًا لدعم الشعب السوري في معركته ضد الفقر والجوع.

المساعدات الدولية ليست الحل

ورغم أهمية المساعدات الدولية، فإنها ليست حلًا مستدامًا؛ إذ إن الاعتماد المتزايد على الخارج يتزامن مع تراجع في التمويل العالمي، وتقلبات في أولويات الدول المانحة، فضلًا عن التبِعات السياسية المرتبطة بتوجيه المساعدات لخدمة أجندات خارجية. وبالتالي، بات من الضروري البحث عن حلول داخلية تعتمد على الذات وتستثمر في الموارد المحلية.

انعدام الأمن الغذائي

ووفقًا لتقرير صادر عن برنامج الأغذية العالمي، يعاني أكثر من نصف سكان سوريا من انعدام الأمن الغذائي، حيث بلغ عدد المتضرّرين أكثر من 13 مليون شخص، بينهم 3.1 مليون يعانون انعدامًا شديدًا في الغذاء.

ويأتي هذا الوضع في ظل انهيار اقتصادي غير مسبوق، حيث تضاعفت تكاليف المعيشة ثلاث مرات خلال السنوات الثلاث الماضية، وأصبح الحد الأدنى للأجور غير قادر على تلبية سوى خمس احتياجات الأسرة الأساسية.

وتشير البيانات إلى أن معدلات سوء التغذية بين الأطفال والأمهات بلغت مستويات خطيرة تُصنَّف عالميًا كحالة طوارئ إنسانية.

وهذا الأمر يعكس عمق الأزمة التي تفاقمت بفعل التطورات السياسية والأمنية الأخيرة، بما في ذلك الإطاحة بالسلطة في أواخر عام 2024، مما أدّى إلى زيادة أعداد النازحين داخليًا.

وتُعتبر سوريا اليوم ثاني دولة في العالم من حيث عدد النازحين، ما زاد من الضغوط على المجتمعات المُضيفة التي تعاني هي الأخرى من انعدام الأمن الغذائي.

نقص التمويل الدولي: تحدٍّ كبير

وفي ظل هذه الأوضاع الكارثية، يواجه برنامج الأغذية العالمي تحديات كبيرة بسبب نقص التمويل، مما اضطرّه إلى تقليص مساعداته بنسبة 80% خلال عام 2024.

ومع هذا الانخفاض الحاد، لم يعد البرنامج قادرًا على دعم سوى مليون شخص فقط من بين الأكثر تضررًا، وهو ما يُنذر بمرحلة قادمة مليئة بالمزيد من المعاناة، إذا لم يتمكّن المجتمع الدولي من تقديم الدعم العاجل.

القطاع الزراعي: ركيزة أساسية لتحقيق الأمن الغذائي

وأكد الدكتور أحمد دبيس، مدير إدارة العمليات والكوارث الصحية في منظمة UOSSM، أهمية التركيز على القطاع الزراعي باعتباره ركيزة أساسية لتعزيز الأمن الغذائي.

وأشار في حديثه لمنصة “سوريا 24”، إلى أن البنية التحتية الزراعية تعرّضت لأضرار جسيمة نتيجة سنوات الحرب، مثل تدمير الآبار الارتوازية ونهب المعدات الزراعية. لذلك، يجب وضع استراتيجية شاملة لدعم المزارعين من خلال:

  • توفير آبار ارتوازية تعمل بالطاقة الشمسية أو بطرق بديلة أخرى.
  • تأمين البذور والأسمدة وغيرها من المستلزمات الزراعية.
  • تقديم تمويل أولي للمزارعين لإعادة استثمار الأراضي الزراعية.

وستؤدي هذه الجهود إلى زيادة المحاصيل الزراعية مثل القمح، والشعير، والبطاطس، والخضروات، مما يساهم في تلبية الاحتياجات الغذائية للسكان وخفض الأسعار بسبب الوفرة، كما ستُسهم في تحقيق دخل إضافي للمزارعين وتحسين الاقتصاد المحلي.

وإذا لم يتم تبنّي استراتيجية فعّالة لدعم المزارعين وإعادة استثمار البنية التحتية الزراعية المتضرّرة، فإن ذلك سيجعل من الصعب على المواطنين تأمين احتياجاتهم الغذائية الأساسية، مما يؤدي إلى تفاقم حالة انعدام الأمن الغذائي بشكل يؤثّر على جميع مواطني سوريا.

دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة: تعزيز سُبل العيش

وشدّد الدكتور دبيس أيضًا على ضرورة دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة كوسيلة لتعزيز سُبل العيش لأصحاب الحِرَف المختلفة. ويمكن تحقيق ذلك عبر:

  • تقديم قروض ميسّرة لتشجيع الاستثمار في القطاعات الإنتاجية.
  • تطوير برامج تدريبية لرفع كفاءة الكوادر الوطنية.
  • تعزيز التعاون بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص لخلق فرص عمل جديدة.

ومثل هذه الجهود ستُسهم في تمكين الأفراد من الاعتماد على أنفسهم، وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية، كما ستساعد في إعادة بناء النسيج الاقتصادي المحلي الذي تضرّر بشدّة خلال سنوات الأزمة.

تحديث التشريعات الاقتصادية: جذب الاستثمارات

من جهته، أوضح العامل في الشأن الإغاثي شمال سوريا، الدكتور مأمون سيد عيسى، في حديث لمنصة “سوريا 24”، أن سوريا تحتاج إلى استراتيجية شاملة لتحديث التشريعات الاقتصادية والقانونية لجذب المستثمرين وتشجيع القطاع الخاص. ومن بين الخطوات المقترحة:

  • اعتماد نظام التعاقد BOT (بناء – تشغيل – نقل) لتنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبرى.
  • تنظيم قوانين تداول العملات الأجنبية وآليات التمويل.
  • محاربة الفساد الإداري والمالي، وإصلاح النظام القضائي والضريبي.

وستُسهم هذه الإصلاحات في خلق بيئة استثمارية جاذبة، وتشجيع رجال الأعمال المحليين والدوليين على المشاركة في إعادة إعمار البلاد.

استرداد الأموال المهرّبة: مصدر مهم للتمويل

وأوصى الدكتور سيد عيسى باتخاذ إجراءات قانونية لتحصيل الأموال المهرّبة لعائلة الأسد ورجال نظامه السابقين، والتي تُقدَّر بمليارات الدولارات.

ويمكن تحقيق ذلك من خلال بيع الأصول العقارية والعقارات الخاصة بهم، وإعادة هذه الأموال إلى الخزينة العامة؛ إذ إن هذا الإجراء لن يساعد فقط في تمويل المشاريع الإنمائية، بل سيُعزّز الثقة الشعبية في الحكومة الجديدة.

تعزيز العلاقات الإقليمية: دعم الاقتصاد الوطني

وركّز الدكتور سيد عيسى على أهمية تعزيز العلاقات الإقليمية مع دول الجوار، مثل تركيا والدول العربية، لجذب الاستثمارات وتحقيق التنمية الاقتصادية.

كما لفت إلى ضرورة توقيع اتفاقيات تجارية تقوم على المقايضة مع الدول الصديقة، مما يُخفّف الضغط على العملة الصعبة ويُحسّن التبادل التجاري.

ووسط كل ذلك، يرى دبيس وسيد عيسى أن الطريق نحو التعافي لن يكون سهلًا، لكنه ليس مستحيلًا إذا تم اتباع استراتيجيات واضحة ومستدامة تعتمد على قدرات الشعب السوري وإمكاناته.

مقالات ذات صلة