تل رفعت… العودة إلى الركام والحلم الذي لم يكتمل

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - SY24

في كل زاوية من مدينة تل رفعت، تنبض ذاكرة لا تموت لسكانها الذين هُجّروا تحت ضغط القصف والمعارك. اليوم، مع عودة بعض العائلات إلى مدينتهم، يبقى الأمل معلقًا فوق ركام واسع وحياة تفتقر إلى أبسط مقومات العيش.

ذكريات الطفولة ومآسي النزوح

أكد جمال النايف في حديثه لمنصة “سوريا 24” أن تل رفعت كانت بالنسبة له “أحلى ضيعة”، وقال: “في يوم القصف، اضطررنا للخروج، ومن وقتها بدأت معاناتنا. عانينا كثيرًا من ضربات النظام وداعش والأحزاب الكردية. نزحنا إلى الشمال قرب الحدود التركية، وعشنا في الطين والبرية بمنطقة سحو، بلا ماء ولا كهرباء ولا أي مقومات للحياة”.

وتابع بحرقة: “كل شتوية كانت السيول تغمر المخيمات، وبقينا في الخيام نحو تسع سنوات. لما رجعنا إلى تل رفعت، وجدنا بيوتنا مهدمة. لا ماء ولا كهرباء، ولا زلنا ساكنين في مخيم سجو، ننتظر الفرج. نطالب المنظمات بالدعم، فلا طاقة لنا على الإعمار”.

   تل رفعت

تقع مدينة تل رفعت شمال محافظة حلب، وتتميز بموقع استراتيجي قرب الحدود التركية، مما جعلها هدفًا لتنازع القوى العسكرية. سيطر عليها النظام السوري في نوفمبر 2012، ثم فقدها لصالح فصائل المعارضة. في نوفمبر 2013، استولى عليها تنظيم “داعش”، قبل أن يتمكن السكان والمقاتلون من استعادتها. في فبراير 2016، دخلتها قوات سوريا الديمقراطية بدعم روسي، مما أدى إلى موجة نزوح جماعي. وفي ديسمبر 2024، استعادت قوات المعارضة السورية المسلحة السيطرة عليها بدعم تركي ضمن عملية “فجر الحرية”.

محطات الألم والنزوح

استذكر أحمد قرندل تفاصيل رحلة النزوح قائلاً لمنصة “سوريا 24”: “تل رفعت بلدي، ومكان ولادتي. أعرف شوارعها، حجارتها، وأشجارها منذ ستين سنة”.

وأضاف: “خرجنا منها أول مرة سنة 2012 بسبب قصف النظام، وعدنا بعد عام، لكن سرعان ما اضطررنا للنزوح مجددًا بعد اجتياح داعش عام 2015. ولما عدنا، أجبرنا قصف الطيران الروسي على الهروب مرة أخرى”.

وتابع قائلاً: “تنقلنا بين قرية أبدا وسجون ثم أعزاز. استأجرنا منازل، لكن ارتفاع الإيجارات أجبرنا على السكن في المخيمات. وبعد التحرير، رجعنا، ولكن للأسف لم نجد إلا الدمار”.

أمل العودة وحلم الترميم

أكد أحمد تركي حاج قدور، رئيس المكتب الخدمي في مجلس تل رفعت المحلي، في حديثه لمنصة “سوريا 24”، أن المدينة كانت تجمع بين المحبة والألفة، وقال: “الحمد لله رجعنا، ولكن المدينة اليوم مدمرة بشكل واسع. نحاول ترميم بيوتنا شيئًا فشيئًا بالإمكانات المحدودة”.

وأوضح أن السكان لا يملكون القدرة على إعادة الإعمار بمفردهم، داعيًا إلى تدخل أممي فعّال لدعم جهود إعادة البناء وتنظيم الخدمات.

وبيّن حاج قدور أن المجلس المحلي أطلق منذ بداية التحرير خطة طارئة شملت: إعادة تشغيل الفرن الآلي، ضخ مياه الشرب عبر الشبكات، صيانة خطوط الصرف الصحي، وتوفير الكهرباء مؤقتًا لمدة شهر. وأضاف أن فرق العمل تمكنت من رفع أكثر من 14 ألف متر مكعب من الأنقاض، مع عودة حوالي 3500 عائلة إلى المدينة رغم قساوة الظروف.

رفع واقع المباني

قال حاج قدور: “واقع المباني في تل رفعت مأساوي؛ نحو 75% من المنازل مدمرة كليًا، ولا تتجاوز نسبة الأبنية القابلة للسكن 10%. كثير من البيوت تحتاج إلى إعادة إعمار كاملة، والسكان لا يملكون الإمكانيات اللازمة”.

واقع التعليم والخدمات الأساسية

أوضح حاج قدور أن المجلس تمكن من ترميم 7 مدارس من أصل 12، وافتتح 4 مدارس بدوام جزئي ثلاث مرات أسبوعيًا، رغم نقص شديد في عدد المعلمين.

أما الكهرباء، فلم يتم توفيرها إلا لشهر واحد بسبب شح الوقود اللازم لتشغيل الشبكات.

مخلفات الحرب وخطر الألغام

تابع حاج قدور قائلاً: “مخلفات الحرب تشكل خطرًا دائمًا على حياة المدنيين، إذ لم تنفذ أي عمليات منظمة لإزالة الألغام. وقد سقط لدينا خمسة شهداء، وأربع حالات بتر بسبب انفجارات، بينما اقتصرت الجهود على حملات توعية محدودة ومبادرات تطوعية محلية.”

تهديد الأنفاق والهشاشة البنيوية

وأشار إلى أن وجود أنفاق قديمة تحت بعض الأحياء تسبب بانهيارات متكررة، مما زاد من هشاشة البنية التحتية وزاد من معاناة السكان العائدين.

واقع دور العبادة

ذكر حاج قدور أن المجلس تمكن من تأهيل 10 مساجد من أصل 17، حيث عادت الصلوات وخطب الجمعة تُقام فيها، إلى جانب افتتاح حلقات لتحفيظ القرآن الكريم في خمسة مساجد.
وختم رئيس المجلس حديثه بالقول: “رغم كل المصاعب، فإن إرادة الأهالي أقوى من الدمار. سنبقى نعمل بجهد حتى تعود تل رفعت مدينةً للحياة والأمل من جديد”.

مقالات ذات صلة