تشهد مدينة الرقة شمال شرقي سوريا هذه الأيام توجهًا متزايدًا نحو تركيب منظومات الطاقة الشمسية، خاصةً في الأحياء التي لم تصلها بعد الكهرباء النظامية، مثل حي الادخار، والقسم الغربي، وبعض أجزاء شارع النور والأحياء الجنوبية المتاخمة له.
ويعزو السكان هذا التوجه إلى اقتراب فصل الصيف، والحاجة الماسة للكهرباء، مقابل يأسهم من الوعود المتكررة التي أطلقتها لجنة الطاقة والاتصالات بإيصال الكهرباء إلى مناطقهم.
وفي تصريح خاص لـ”سوريا 24″، قال مصطفى المحمود (58 عامًا)، من سكان شارع النور:
“السبب الرئيسي لتركيبي منظومة الطاقة الشمسية هو غياب الكهرباء النظامية عن الحي، وارتفاع أسعار اشتراكات الأمبيرات التي لم تعد تلبي احتياجاتنا بسبب تقنين ساعات التشغيل والانقطاعات المتكررة بحجة الأعطال الميكانيكية. منذ عام 2018 ونحن نعيش على وعود المسؤولين دون أي تنفيذ فعلي”.
وأشار المحمود إلى أن كلفة الأمبير الواحد تبلغ 14 ألف ليرة سورية أسبوعيًا، مضيفًا: “بيتي يحتاج إلى خمسة أمبيرات لتشغيل أجهزة التبريد والمستلزمات الأساسية، ما يشكل عبئًا ماليًا كبيرًا على عائلتي”.
من جهته، أوضح عادل الفرج (44 عامًا)، من سكان حي الادخار، أن رغم انخفاض أسعار منظومات الطاقة الشمسية مؤخرًا، إلا أن كلفتها لا تزال مرتفعة بالنسبة لشريحة واسعة من سكان الرقة، خاصةً ذوي الدخل المحدود. وقال الفرج لـ”سوريا 24″:
“أصغر منظومة طاقة شمسية تتطلب نحو 800 دولار، وهو مبلغ قد يبدو بسيطًا للبعض، لكنه بمثابة حلم للكثيرين هنا. أنا أعمل بأجر شهري لا يتجاوز 150 دولارًا، ولا يكفيني لإطعام أطفالي، لذلك اكتفيت بالاشتراك باثنين من الأمبيرات، بينما تركيب منظومة طاقة شمسية يبقى بعيد المنال”.
أما عباس المحمود (51 عامًا)، من سكان حي الثكنة وسط الرقة، فرغم استفادة حيه من الكهرباء النظامية، لجأ هذا العام إلى تركيب الطاقة الشمسية بسبب الانقطاعات المتكررة وعدم توافق مواعيد توفر الكهرباء مع احتياجاته المنزلية. وقال المحمود:
“الكهرباء النظامية تصلنا من أربع إلى ست ساعات يوميًا، وغالبًا في أوقات غير مناسبة مثل ساعات الليل أو الصباح الباكر، الأمر الذي لا يلبي حاجاتنا، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف وحاجتنا المستمرة للتكييف”.
وأضاف: “كنت سابقًا أعتمد على مولدة بنزين لتعويض الانقطاع، لكنها كانت مزعجة ومكلفة سواء في الوقود أو الصيانة، ما دفعني لاعتماد الطاقة الشمسية كخيار أفضل”.
وفي هذا السياق، أوضح مصدر مسؤول في لجنة الطاقة والاتصالات في الرقة في تصريح خاص لـ”سوريا 24″ أن أكثر من 80% من أحياء المدينة جرى تغطيتها بالكهرباء النظامية، مشيرًا إلى أن العمل مستمر لاستكمال تغطية بقية الأحياء. وقال المصدر: “دمرت الشبكات الكهربائية بالكامل خلال معارك تحرير المدينة من داعش، إضافة إلى عمليات النهب التي أعقبت الانفلات الأمني. ورغم ذلك، تمكنا من إعادة تأهيل الشبكات وتوزيع المحولات في معظم الأحياء، ونتوقع استكمال المشروع بحلول مطلع عام 2026، بشرط استمرار الدعم المطلوب”.
خلال جولة مراسل “سوريا 24” في أسواق المدينة، رُصد فيها أسعار منظومات الطاقة الشمسية، التي تختلف بحسب الجودة والحجم. إذ تبلغ تكلفة منظومة طاقة شمسية متوسطة المواصفات (مكونة من ثلاثة ألواح طاقة شمسية) حوالي 270 دولارًا، مع “انفرتر” مفتوح الاستطاعة بسعر 230 دولارًا، بالإضافة إلى بطاريتين أنبوبيتين بسعة 200 أمبير للواحدة بتكلفة إجمالية تبلغ 350 دولارًا، فضلًا عن كابلات وقواعد وإكسسوارات أخرى تقدر بـ70 دولارًا.
ورغم التكاليف المرتفعة نسبيًا، يرى كثيرون أن الطاقة الشمسية باتت الحل الأمثل للتغلب على أزمات الكهرباء المزمنة التي تعيشها المدينة، ويتساءل مواطنون لماذا تحتاج الرقة، التي تضم أكثر من 80 منظمة إنسانية وتحتضن أكبر سد لتوليد الكهرباء في سوريا (سد الفرات) وسد تشرين، إلى كل هذه السنوات لاستكمال تغطيتها بالكهرباء النظامية؟.