الكاتب الروائي الياس الخوري: تحويل السجن في الممارسة السورية إلى معسكرات الموت النازية

Facebook
WhatsApp
Telegram

فاتن حمودي -SY24

كل أدب السجون يشير إلى أن الوطن بكامله أصبح سجنا
أخاف أن يقود الألم إلى الصمت

الكاتب والروائي الياس خوري المثقف المنتمي لقضايا العصر الذي قال إنه عالم ليس لنا، في إجابته لأحد الأصدقاء حول منعطف الدم الذي يجتازه المشرق العربي، برزت مواقف الياس خوري من خلال حركات التحرر العربية والعالمية وشارك في صياغة بيان ربيع دمشق، وعبّر بكل ما يكتب عن متتابعات الدم والمجزرة وتآمر القوى العالمية على ثورة حوّلت المدن السورية إلى أعراس… فحوّلها النظام والعرابون إلى مسرح دم، ما دفع الكثيرين اليوم للقول ماذا تبقّى لنا؟

فإذا كان لكل مدينة كاتب، يرصد ذاكرتها، ويؤرخ حكايات أحداثها وناسها، فإن الياس خوري هو كاتب بيروت ودمشق أيضا… هو كاتب القدس، يدرك أن هذا العالم وصل بنا للحضيض فيحاول أن يقول كل شيء، وقد اشتغل على مفردات الحرب، الحب، الطائفية، اللجوء، السجن… في رواياته مجمع الأسرار، رحلة غاندي الصغير، يالو، الجبل الصغير، الوجوه البيضاء، أولاد الجيتو، اسمي أدم…
ينطلق بكل ما يكتبه في أنحيازه للإنسان، وهو يعتبر “أننا نعيش أكبر ماساة في تاريخ العرب المعاصر، وهي مأساة سوريا..

حول المعتقل، وأدب السجن كان لنا الحوار التالي:

معروف أن أدب السجون أدب جديد على المكتبة العربية، دخل إليها في النصف الثاني من القرن “20”، بسبب سيادة الأنظمة الشمولية، لاسيما في العراق وسوريا، ومصر، حدّثنا عن عن أهمية الكتابات التي رصدت فكرة الأعتقال لاسيما في الرواية، والفكر أيضا؟

السجون العربية بدأت في الستينات، ومع رواية صنع الله ابراهيم “تلك الرائحة”، شكلت الكتابة شهادة عن السجن، وكانت فاتحة لأسلوب جديد في الأدب، هذا الجيل دخل المعتقل أيام جمال عبد الناصر، وشكّل تجربة رؤيا جديدة للكتابة واللغة السردية، بعد ذلك جاءت كتابات عبد الرحمن منيف” شرق المتوسط، ومدن الملح”، والعراقي فاضل العزاوي “القلعة الخامسة” وروايات أخرى تحكي عن تجربة السجن.

أدب السجن يربط الحرية بالكتابة، بطل رواية “شرق المتوسط” كان يربط خروجه من السجن ليكتب، كذلك بطل رواية صنع الله ابراهيم كان كل الوقت يحاول أن يكتب رواية ولا يقدر، بمعنى ربط الكتابة بالحرية، هذه الميزة الأساسية لأدب السجون، بعد ذلك جاءت التجربة السورية التي عبّرت عن أدب السجن، مصطفى خليفة “رقصة القبور”، ياسين الحاج صالح “يوميات الحصار في دوما”، مصطفى خليفة “القوقعة”، وفواز حداد “السوريون الأعداء”، إلى جانب روايات أخرى حكت عن الوجع السوري، مثل “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة” لخالد خليفة.

فمن واقع الثورة السورية هناك الكثير من الأمثلة التي تحوّلت إلى أيقونات، والتي شكّلت نقلة في أدب السجون، لأنها ترينا بأن السجن مكان للموت والإعدام، مكان للإختفاء الكامل، فإلى الآن لا نعرف مصير عشرات الآلاف من المعتقلين المغيبين قسرا، لا نعرف أي فكرة عن مصائرهم، ولا ننسى الصور التي خرجت من السجن عن تجويع وتعذيب السوريين المعتقلين.

للأسف لم يعد هناك أدب سجون في العالم، فقط في بلادنا يزدهر هذا النوع من الأدب، ومعروف أن أدب السجون نشأ في أوربا الشرقية، وأمريكا الجنوبية، ولكنه عندنا هو المكان الأخير، ولأن السجون تنمو وتزدهر بطريقة وحشية، فمن الطبيعي أن يزدهر وينمو أدب السجون في هذا المشرق.

السجن تاريخيا

وماذا تقول عن السجن تاريخيا كقصة معقدة جدا؟

شكّل السجن جزءً من بنية الرقابة على المجتمع كما قال فوكو، من أجل هذا درس السجون، كمركز مراقبة وعقاب وانتقام، في العصور الوسطى وحتى القرن السابع عشر كان السجن تعذيب علني حتى الموت مثل داعش اليوم، من أجل هذا درس فوكو هندسة السجون، ومع دمقرطة الحياة السياسية والإجتماعية أصبح السجن مكانا للتأهيل، ورغم أن هذا الموضوع لا يزال نظريا، فواقع السجون الأمريكية مريع، قرأت مرة دراسة تشير إلى أنها من أسوأ السجون في العالم.

واقع الثورة السورية هناك الكثير من الأمثلة التي تحوّلت إلى أيقونات مقتل وتشويه جسد الطفل حمزة الخطيب.. غياث مطر ابن داريا، وليس آخرهم العالم باسل الصفدي عبقري الخوارزميات الذي حوّله الأسد إلى رقم من مئات الآلاف الذين قضوا أو الذين مصائرهم مجهولة في ثورة يتيمة.

كيف ترى السجن السوري في مراياك الواقعية والفلسفية؟

الجديد تحويل السجن في الممارسة السورية إلى معسكرات الموت النازية، كل أدب السجون يشير إلى أن الوطن بكامله أصبح سجنا.

 

أتذكر الآن رواية أختبار الحواس لعلي عبدالله سعيد، والتي قوبلت بعدائية عالية من قبل المؤسسة الثقافية في سوريا، تحدث فيها عن تفنن المستبد بتعذيب حتى أمه على البخار لفضح السياسي المغتصب للحياة، هو ما تقوله أنت أيضا في “يالو” فهل اصبحت الكتابة تخاف أن يسرق تاريخنا من السرد؟

يبدو أن خيال المستبدين أوسع من خيال الأدباء، إنهم يبتكرون التعذيب، في روايتي “يالو”، كتبت عن تجربة السجن.

… فيزداد عطشا إلى الدم، لا كامو في “كاليغولا” أو ماركيز في “خريف البطريرك” أو استورياس في “السيد الرئيس” أو غيرهم استطاعوا التقاط متعة التوحش التي ترتسم على قناع الموت الذي يلبسه.

دأبك على حضور محاضرات الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، إلى أي درجة أضاء لك الطريق لرؤية المعتقل، وتطور فكرة السجن، السجن كبديل للمقصلة، سجن نظام الأسد وجنون العنف؟

ميشيل فوكو كاتب ساحر عظيم، كانت تلك المرحلة من أجمل مشاهد الثقافة في العالم، لم يكن وقتها يوجد فيديو ولا اتصالات، كانت تُفتح أمامنا ثلاث قاعات كي تتسع للحضور، وكنت أجهّز نفسي من الساعة الواحدة ظهرا أنتظر حتى الخامسة لنرى ونسمع.

كم ألف حكاية ولدت مع المذابح والبراميل؟

نحن ننسى بأن فلسطين هي الجرح الأول، النموذج الذي علّم المكان الوحشية والذي بدأته الصهيونية، عدم الذهاب إلى الصمت في الوضع السوري، يحتاج شغل، شغل لا يستسهل التعبير، الخطر أن نستسهل التعبير، هذا الإنفجار ليس من النظام فقط وإنما من الديني الطائفي المتوحش، المسؤول عنه ليس داعش والنصرة، وإنما النظام، وهنا أسأل كيف نحيك لغة جامعة، لغة للناس أولا، ليس من أجل التعايش، كنا نعيش مع بعضنا، السوري، اللبناني، الأردني الخ، أخاف أن يقود الألم إلى الصمت.

مقالات ذات صلة