السادةُ الثوار، والإخوة المعارضون، وأبناءُ بلدنا المحترمون الواقفون على الخط من جماعة الله يختار الخير، ويرأف بحال الناس، ويطفيها بنوره.. كلهم، بلا استثناء، استاؤوا وامتعضوا من مشاهدة الفيديوهات التي تصور الإخوة الشبيحة وهم ينقلون قطع الأثاث المنزلية من بيوت الإرهابيين إلى سيارة شاحنة، أو طريزينة واقفة بالقرب من المدخل.. ويضربون مثلاً بثلاجة من ماركة الحافظ، تبريد على الهواء (خمسون عاماً نزداد شباباً)، كان عسكريان باسلان يتحايلان عليها لإخراجها من إحدى العمارات في مخيم اليرموك، وكانا يعاملانها برفق لئلا يصطدم أحدُ جنباتها بجدران المدخل، ويذوقان المر حتى يخلصاها ويُصعداها إلى الطريزينة بأمان..
بعض هؤلاء لم يكتفوا بالامتعاض، بل إنهم ما فتئوا يسبسبون على زيد وعبيد ونطاط الحيط، فيقولون إن نظام حافظ الأسد سَرَقَ البلد كلها، خمسون عاماً وهو يزداد نهباً وترحيلاً لأموال السوريين إلى بنوك سويسرا وإيطاليا وفرنسا وأميركا؛ أميركا ما غيرها قائدة الإمبريالية العالمية الداعمة للصهيونية الغاصبة، المتحالفة مع الرجعية لقهر الشعوب العربية المناضلة..
ويقول آخر إن بيت أبو حافظ ومَن لفَّ لفَّهم امتلأتْ قراهم بالقصور، والعبيد، والجواري، ومَن كان رخيصاً إلى درجة أنك إذا أنزلتَهُ إلى بازار الأربعاء وعرضتَه للبيع لا يساوي فرنكين سوريين، يعني عشرة قروش.. صار عنده فيلا، وحراس للفيلا، وحرس شخصي (Body gard)، وحرس لزوجته التي لا تعرف كيف تحكي كلمتين دون أن تتعثر بالكلام مثلما يتعثر جحشُ الحجارين بأصغر نتوء موجود في الشارع، بسبب ثقل الحمولة على ظهره..
لو أن الإنسان، يا إخوتي الأكارم، سمح لعقله أن يشتغل، سيجد أن الشغلة ليست متوقفة على ثلاجة مستعملة، الله وحده يعلم إن كان فيها غاز، أو رفوف، أو قوالب للبوظ (الثلج)، أو إن كان محركها ما زال يعمل أو أنه متعطل، أو على فرن غاز، أو على بعض الطناجر والصحون التي لم يأكل عليها الدهر ويشرب، وإنما هي التي أكلت على الدهر وشربت.. سبحان قديم الأزل.
هناك أمور أنتم الثوار والمعارضين والواقفين على الخط، لا تعرفونها، لأنكم، في الأساس، لم تخدموا في الجيش العربي السوري الباسل، ولم تطلقوا (فَشَكة) واحدة في محاربة الإرهاب، وهي أن التجار الذين يشترون العفش المعفوش هم أحقر الناس الذين وجدوا على سطح الكرة الأرضية قاطبةً، فالواحد منهم، مع أنه رجل مثلي ومثلك، يظنُّ المرءُ أنه عبارة عن جهاز إلكتروني شديد الحساسية، بمجرد ما يُلقي نظرة على الثلاجة المعفوشة، يغمض عينيه نصف إغماضة، وبحقارة شديدة، يقول لك: هذه بعشرين ألف ليرة سورية.. ويدير ظهره ويمشي غير مكترث باستغرابك واندهاشك.. فإذا كنت صاحب معلاق كبير، ولحقتَه إلى مكتبه، وحلفت له بأنك لو لم تحمل أغراض معفوشة كثيرة في سيارة واحدة لكانت أجرةُ النقل أكبرَ من المبلغ الذي تعرضُه علي ثمنها.. ووقتها يشعرُ التاجر بالاستفزاز، ويقول لك: تفضل اجلس.. ويطلب لك كاسة شاي أكرك عجم، ويجلس مقابلك ليحدثك في أمر أنت تظن أنه بعيد عن الموضوع. يقول لك، مثلاً:
– أأنت لم تلتق خلال حياتك كلها برفيق شيوعي بكداشي؟
تقول له: طبعاً التقيت.
يقول لك: ألم يحدثك ذلك الرفيق عن الفروقات الطبقية في المجتمعات الرأسمالية؟
تقول له: بلى والله، حدثني كثيراً.
يقول لك: ها ها، أنت هلق عرق عيني، شوف يا أبو الشباب، الثلاجات المعفوشة مثل الطبقات الاجتماعية، فرد شكل، يعني، حضرتك بتحسن تقنعني أن التلاجة اللي أمضت عمرها عند واحد مفلس وأندبوري عايش في مخيم اليرموك متل تلاجة عايشة معززة مكرمة في حي المالكي؟
واحد من الإخوة الشبيحة المعفشين تعرض لمثل هذا الموقف، فغضب وصاح بتاجر المعفوشات:
– لك أخي الحرب على الإرهاب انتهت والحمد لله، وجيشنا الباسل ما اضطر يقصف حي المالكي ويدمره.. بهالحالة أنت بتضيع تعبي وبتدفع لي ربع حق التلاجة؟ وكل هالشي لأنه صاحبها فلسطيني من مخيم اليرموك؟
يرد عليه تاجر المعفوشات بكل برود:
– أبداً مو هيك. أنت فهمتني غلط. نحن تجار لك عمي، وإنتوا عسكر. نحن ما بيهمنا الشخص اللي إنتوا سرقتوا بيته، فلسطيني، سوري، عراقي.. مسلم، مسيحي، سني، علوي، درزي.. ما في فرق. كله شغل.
فيرد عليه العسكري: الله وكيلك ونحن هيك، أي نحنا قاتلين من السوريين بقدر ما قتلنا من الفلسطينية خمسين ضعف.. ولكن الحقيقة..
يسأله التاجر: الحقيقة شو؟
يتجرأ العسكري ويقول: الحقيقة أنكم أنتم التجار استغلاليون، والاستغلال عيب وحرام..
ويصعد إلى سيارته متنازلاً عن بيع الثلاجة، ويقول له قبل أن يُقلع:
– أنتم تتاجرون بتعب الناس، وبتضحيات جيشنا الباسل. أنتم متآمرون على السيد الرئيس. لعنة الله عليكم واحد واحد.