كيف سيبرر المجتمع الدولي سكوته عن الحملة العسكرية الروسية الحالية على درعا؟
لا جيش للإسلام في درعا، لا رايات سوداء ترفع هناك، لا داعش ولا النصرة، ومع ذلك تدخل روسيا بكامل قوتها الجوية لتدمر درعا بشراً وحجراً، ويتجاهل العالم هذا الحدث تماماً ويتعامل معه كتعامله مع الأحداث السابقة التي شهدتها باقي المناطق التي أحرقتها روسيا، بحجة محاربة الإرهاب، رغم غياب هذه الذريعة بالكامل في درعا..
وإذا كان استهداف درعا النموذج الأنصع والأكثر وضوحاً على السياسة الروسية التي تقتل معارضي الأسد بصرف النظر عن انتماءاتهم، فإنه أيضاً النموذج الأوضح لتواطئ المجتمع الدولي بل ودعمه اللامحدود لكل الدول والمافيات والميليشيات والعصابات الإجرامية التي تحارب السوريين بصرف النظر عن الأسباب والذرائع، حتى المختلقة منها.
وإذا كان استهداف درعا النموذج الأنصع والأكثر وضوحاً على السياسة الروسية التي تقتل معارضي الأسد بصرف النظر عن انتماءاتهم، فإنه أيضاً النموذج الأوضح لتواطئ المجتمع الدولي بل ودعمه اللامحدود لكل الدول والمافيات والميليشيات والعصابات الإجرامية التي تحارب السوريين بصرف النظر عن الأسباب والذرائع، حتى المختلقة منها.
لا تربط الجيش السوري الحر المتواجد في درعا أية علاقة بالتيارات الإسلامية ولا حتى بدعم من دول ذات توجه أصولي، حيث احتفظ ثوار درعا بمبادئ الثورة، ورفعوا علمها وقاتلوا تحت رايتها، وسكوت المجتمع الدولي وتواطئه عن اتخاذ أي إجراء ضد الحملة الروسية على درعا، لا يعني إلا الموافقة على قتل ثورة السوريين بكل ما فيها من قيم وطنية وتطلع لبلد حر متحرر من الديكتاتورية وقادر على تقرير مصيره.
من ناحية أكثر أهمية، فإن الموقف المتخاذل للمجتمع الدولي يعني أيضاً أن السكوت عن الحملات العسكرية الروسية منذ بدايتها في العام ٢٠١٥، كان بهدف المساهمة في القضاء على الثورة، وليس بسبب الرغبة في محاربة الإرهاب.
منذ الفيتو الروسي الأول الذي انتصر لسياسة القتل والإبادة وجرّم الشعب السوري على اختلاف مشاربه وانتماءاته، انكشفت نوايا الروسي في حمايته المطلقة لسفاح سورية، غير أنه عمل بكل ما استطاع لخلق المبررات والذرائع لتحقيق بعض الشرعية المتوهمة لحملاته السياسية ومن ثم العسكرية المتعاقبة والمتواصلة منذ العام ٢٠١٥، وكانت تهمة الإرهاب وحدها تلك الذريعة التي حملتها روسيا “الإرهابية” تحت إبطها لتسوق من خلالها مشروعها الإجرامي.
ورغم كل الظروف السياسية التي ساهمت بشكل كبير في نجاح المشروع الروسي في سورية، فقد بقي ما اصطلح عليه بـ” الإسلاموفوبيا” السبب الأكبر لتخلي العالم عن السوريين بعد أن تم اعتماد توصيف الثورة السورية بأنها إسلامية، وجاءت أخطاء الفصائل القاتلة، -سواء عن جهل أو عن تبعية- لتؤكد للغرب رواية النظام وحلفائه، وخاصة في رفعهم الرايات الإسلامية التي كانت العامل الأكبر في توسيع مساحة الذريعة، فكلما حققت الثورة إنجازاً ما، جاءت الرايات الإسلامية والخطاب الإسلامي لينقل للعالم رسالة متناقضة تماماً مع مبادئ الثورة وأهدافها الوطنية ويقنع دول العالم وحتى شعوبها بأن الأسد وروسيا يواجهان الإرهاب الإسلامي الذي يمتد خطره إلى العالم برمته، وهكذا تم تثبيت صورة المشهد على أنها صراع بين تيارات إسلامية متطرفة إرهابية، وحكومة علمانية.
بالطبع، تعي القيادات الغربية، ولا سيما في أمريكا طبيعة الصراع وجوهره، ولكنها كانت بدورها تبحث عن الذريعة التي تضمن صمت شعوبها وتجاهلهم لما يحدث في سورية، ولهذا ساهمت بشكل فعال في تكريس الرواية ذاتها عن الحدث السوري.
وبوصول ماكينة القتل الروسية إلى درعا، وتعامل المجتمع الدولي مع الحدث اليوم بشكل مطابق لتعامله مع الأحداث السابقة رغم الغياب الواضح للذريعة، لم يعد ثمة ما يدعو للشك بأن القرار العالمي كان يركز على إفشال الثورة السورية مهما بلغت التكلفة.
وإذا كانت درعا، هي الأمل الوحيد المتبقي للسوريين لفتح ثغرة في جدار التحالف العالمي ضد الثورة السورية، فإننا لا يمكن أن ننتظر المعجزات في ظل التفاوت الواسع في موازيين القوى، فالقوة العسكرية التي وظفها الروس لقتال درعا كافية لكسر بلد أوروبي قوي على أقل تقدير، فما بالنا ببلدة صغيرة في الجنوب السوري لا تمتلك حتى مضادات الطائرات، ولا تمتلك القدرة على منع خطة الأرض المحروقة التي لا يجيد الروس غيرها، ناهيك عن الحصار العسكري المطبق، حيث لا يد تمتد لثوار درعا اليوم، لا سلاح ولا دعم سياسي ولا جغرافيا صديقة، ولنا أن نتخيل كيف يتم دعم النظام بقوى إقليمية، فضلاً عن القوة العظمى التي تقاتل معه، في حين يغلق البلد العربي الجار حدوده أمام المدنيين الفاريين من جحيم القصف، فما بالك أمام المقاتلين.
بالإضافة إلى جحيم النيران التي تتساقط على درعا، فإن أمام الثوار جحيما من نوع آخر، وهو جحيم اتخاذ القرار، فقرار المقاومة سيجر المزيد من الدمار والموت الذي يعده الكثيرون مجانياً، وقرار التسليم لتجنب كل ذلك، سيفسره الكثيرون بالخيانة والعمالة أوالتخلي عن الثورة، في أحسن الأحوال.
إن المراهنة على انتصار درعا تتأسس فقط على مفاهيم الحق والباطل، وهي مراهنة من النوع العاطفي البحت، لو أن المواجهة كانت على الأرض، فقد يتسنى لنا الحديث عن صمود وعن انتصار أيضاً، غير أن سلاح الجو لا يمكن التغلب عليه إلا بمضادات الطيران وهو ما يفتقده الثوار بسبب منعه البات من قبل أصدقاء الثورة قبل أعدائها..
ليس من البطولة في شيء أن تنتصر روسيا في درعا في ظل هذا التفاوت الكبير في ميزان القوى، وليس من المعيب لو انكسر الثوار هناك، ولكن العار الذي سيلحق بالبشرية يتمثل في أول حادثة من نوعها وهي إجماع العالم على مساعدة الجاني ضد الضحية، ما من شأنه التأسيس لمنظومة من القيم المقلوبة والتي ستنعكس نتائجها على الأمن والسلم الدوليين وخاصة في ظل غليان العالم وأزماته الاقتصادية الطاحنة التي تتفاقم بسرعة وقوة، وتتواكب مع انهيارات أخلاقية كبرى، ستجعل من كثير من دول العالم أرضاً محروقة، وما نموذج درعا اليوم، ونموذج سورية بأكمله إلا صورة مسبقة لهذا الواقع المنتظر.