الشاعر “علي شريف” لـ SY24: نحتاج إلى ثورة مفاهيم .. فالخراب هائل في بنيتنا النفسية والقيمية

Facebook
WhatsApp
Telegram
الشاعر "علي شريف"

أسامة آغي - SY24

الولوج إلى عوالم المبدعين في الأدب والفن أمر يحتاج إلى جرأة السؤال، وإلى فضاء من ثراء المعلومة والبحث عنها وسط هذا الركام، الذي أدهشنا كيف شاركنا في اعتياده.

ولعلّ عوالم الشاعر “علي محمد شريف” هي ارتياد حذر للغةٍ لا تمنحك جلالها اللغوي بهذه البساطة، وهذا ما دفعنا في مكتب SY24 الإعلامي أن ننتقي مفردات أسئلتنا، وأن ننتظر كيف تولد الإجابات وسط هذا القلق الجميل.

أثق باللغة العربية وجمالياتها:

لم نذهب إلى الشاعر علي محمد شريف كي نطرح عليه أسئلة عابرة لذا قلنا له: الثورة السورية وسّعت الرؤية الفكرية والثقافية لدى السوريين وتحديداً لدى المبدعين منهم، وهذا ما جعل الجملة الشعرية أكثر قدرةً على التعبير والدلالة، فأجاب : في التحولات الكبرى ستبدو الرؤية غائمةً ومشوشةً، تكتنفها التناقضات وتكثر فيها الأسئلة وتتعدد الرؤى، ثمة انفجار مفتوح على احتمالاتٍ لا نهاية لها، ثقب أسود يبتلع أقمارك الآفلة، وتصوراتك الآيلة للسقوط. ثمة واقع جديد يتخلّق، أرض بكر تعصف بها رياح الخوف والفجيعة والأمل، ولكن سرعان ما تبدأ الحقائق بالتكشف، وتنجلي الغشاوة، سنكتشف هول ما كنّا نجهله، وفداحة فقرنا بمعرفة أنفسنا وبالآخر.

ويضيف الشاعر علي محمد شريف: أثق باللغة العربية، و إمكاناتها وقدرتها على التطوير والاستجابة لقضايا العصر والإنسان في الحب والخير والجمال، وفي إرساء القيم النبيلة، وتحقيق السلام، لكن لا بدّ من ثورة مفاهيمية تُعيد النظر في وظائف الشعر والفن، وفي أساليب التعبير والبناء اللغوي الدلالي، وتركيب الجملة الشعرية وإحالاتها الراهنية ومنحها الدفق والمحتوى القادرين على إحداث الأثر الملائم في ظلّ حالة الجمود التي يتسم بها واقعنا المتخلف والمفوّت حضارياً.

حين يموت النص:
وسألنا الشاعر علي محمد شريف عن بنية القصيدة المُحتَضرة فأجاب: النص الميت هو حاصل حملٍ كاذبٍ، أو ولادةٍ قيصرية، أو أنه حشو لغوي لصانع يفتقر إلى الرؤيا والثقافة والمخيلة والحس الإبداعي، ولكن لا يزال لدينا من ينظر إلى الشعر على أنه نظم أو قريض، وأنه ذلك الكلام الموزون المقفّى. هناك اغتيال قد يمارسه شاعر مبدع لحالة مُكتنزة لم تنضج بعد، أو ربما لفكرةٍ عابثة كان يمكن أن تشكّل عالماً شعرياً لا ينقصه الجمال والجدّة والعمق.

ويتابع الشاعر “علي محمد شريف”: أرى القصيدة أنثى جميلة أيّاً كان ثوبها الذي تلبسه، وإلى أيّ عصرٍ تنتمي، لكن القصيدة الحديثة لا بدّ أن تنتمي لعصرها وقضاياه المعقّدة، وتزخر بالرؤيا والمعرفة والأسئلة الراهنة، ولا بدّ أن تتداخل فيها كلّ أغراض الشعر وهواجس المبدع وهمومه على أن الهاجس الأكبر في الشعر هو الإبداع والفن.

أنا في حالة هروب حتى من رموزي:
قلنا للشاعر علي محمد شريف : لغتك الشعرية جميلة ولكنها تميل إلى الرمزية فهل رمزيتك هرب من المكاشفة الروحية أم أنك تبحث عن اتصال عميق مع عتبة لا شعورك بلغة ملتبسة ؟ فأجاب : نعم أنا في حالة هروب دائم لا سبيل إلى إيقافه، فيما مضى كنت أهرب من الشرطي المتربص في متحف الثقافة، وفي أقبية المطابع، وفي دفتر العائلة، والبيت، وفي المنابر المهترئة من الرياء، لكن الآن تبرز أسباب إضافية لديّ للهروب، فأنا أهرب من لغةٍ أنجزت شرطها الجمالي والمعرفي، وأهرب من الخوف والموت، لا أستطيع إن كنت قارئاً أو كاتباً أن الج معبد الشعر مجرّداً من عبء أسئلتي وأخيلتي وما ينتابني من مشاعر غامضة.

ويتابع الشاعر علي محمد شريف : لا أتصور الشعر بعيداً عن المجاز والصورة والخيال والموسيقا والتجديف في محيط مضطرب وصولاً إلى جزيرةٍ تخصني و تألفني وتحتضن رؤيتي الفلسفية والجمالية، لا أميل إلى المكاشفة في ملاقاتي بالقصيدة، لذا علينا أن نقرأ بحواسّنا نحن، وأن نشكّل صورتنا الملتبسة عن عوالمنا، أو لأقل ينبغي أن نجد ما نبحث عنه في النص، وأن نُظهر المشهد الذي يكتمل بقراءتنا، حتى لو كلّفنا ذلك تفكيكه، وإعادة بنائه، ليكون شرفتنا التي تُطلُّ على أسئلتنا المكتظة بالشكّ والعشق.

ثمن الحرية باهظ وكارثي:
وسألنا الشاعر علي محمد شريف: هل لا يزال ثمّة أمل بنيل الشعب السوري حريته بعد كلّ هذه الانكسارات والإحباط؟ فأجاب : ابتدأنا بالحلم وانتهينا إلى الأمل، لقد قطعنا شوطاً طويلاً على درب الجلجلة، لم يعد ثمة كثير من الانتظار لقيامتنا، ولكن أمامنا كم غزير من العمل، والثورة أنجزت ما يمكنها ضمن المعطيات التي توفرت، ولكن الثمن كان باهظاً جداً وكارثياً.

ويضيف الشاعر علي محمد شريف: كنا نتوقع أكثر مما حدث، لأننا طيبون وبسطاء، وتنقص معظمنا المعرفة ببنية النظام المجبولة على التوحش، وبنواته الصلبة، وبالتعقيدات التي تطرحها المصالح العارية للدول. ومع ذلك فالنظام بما يمكن أن يقدّمه من تنازلات للدول وأشباه الدول فلن يبقى رأسه، فهو مجرم غارق بدمائنا ولن يمكنه الوقوف ثانيةً.

بقي أن نتفق على تفاصيل البلاد البهية، لأن الحمل حقيقي وصادق، وسيتطلب وقتاً قد يطول، وقدراً إضافياً من الألم.

وختم الشاعر علي محمد شريف كلامه معنا، فقال: ما زالت بعض القيود ناقصة في فاتورة التضحيات القاسية كي نصل إلى عتبة السلام والحياة الانسانية بعدالة وكرامة، أما عن الحرية فقد قبض عليها من طالب بها وأودعها في عقله وقلبه.

بطاقة تعريف بالشاعر:
علي محمد شريف
شاعر وكاتب ومحام من حلب
صدر له مجموعتان شعريتان هما طقوس لزمزم عام 1999 وحطّاب الكلمات عام 2006، وله العديد من المخطوطات والدراسات

مقالات ذات صلة