لم تكن الكلمات يوماً عائقاً بالنسبة لي، أياً كان الموضوع الذي أريد أن أكتب عنه، كنت دائماً ما أجد التعابير المناسبة والألفاظ المطلوبة، أحتال دوماً على النص الصحفي الذي أقوم بكتابته، إما بطريقة تركيبه وترتيبه، أو بطريقة صياغته وتقطيعه، لأصل للفكرة المطلوبة بالطريقة التي أريدها والصياغة التي أفضلها.
لم أتوقع يوماً أن أقف عاجزاً عن كتابة موضوع ما، فالأمر دائماً ما يكون سهلاً بالنسبة لي، أبدأ بأولى الكلمات، والباقي يأتي بشكل متواصل دون عناء، استرسل بالكتابة، وأحياناً استفيض، أجمّل، وأنسق، حتى تظهر المادة الصحفية جاهزة للنشر أخيراً.
الرحيل المفاجئ لصديقتي الجميلة مي سكاف قبل أيام، جعلني عاجزاً تماماً عن التعبير، عن البوح، عن الكتابة.. ماذا أقول، بماذا يجب أن أبدء أو من أين أبدء، ما هو الخيار الأمثل للكتابة، ما الكلمات التي سأستخدمها، كيف سأفي هذه الصديقة حقها، كيف سأفي هذه العملاقة حقها.
الصور تدور في مخيلتي، اللحظات التي قضيتها برفقتها، أعيدها بشكل متواصل دون أصل لنقطة البدء، وسائل التواصل الاجتماعي تعج بصورها، كلمات النعي تأتي من كل صوب، بطلة.. شهيدة.. أيقونة.. حرّة.. نبيلة، مقاطع فيديو لمقابلاتها، صوتها في أذني وهي تقول “هي الثورة.. ثورتي لحتى موت”، آخر ما كتبته لا يغيب عن ذهني “لن نفقد الأمل.. هذه سوريا العظيمة وليست سوريا الأسد”.
كيف أنعيها.. أكتب عن حادث شخصي حدث معها وأنطلق منه، أو استخدم مواقفها النبيلة كنقطة للبدء! أو ربما اقتطف من أقوالها أو أقوال من تكلموا عنها.. من أعزي؟ أعزي ابنها، عائلتها، أعزي نفسي، أو أعزي السوريين!.. استخدم كلمات رنانة ومنمقة لكي أصفها، لكي أوفيها حقها؟!
رحيلها بصمت وهدوء، أفرز ضجيجاً كبيراً بين السوريين، ضجيجٌ سُمِع صداه في العالم أجمع، ضجيجٌ لا يمكن أن يكون إلا فسحة أمل نادت بها مي سكاف طوال مسيرتها ورفضت أن تكون تابعة، ضجيجٌ أيقظنا جميعاً من ثُباتٍ كدنا نعيشه عيشةً أبديّة.
فيا أيها السوريون لا تفقدوا الأمل إنها سوريا العظيمة…