في بعض المدن الألمانية تأسست مبادرات لحماية طالبي اللجوء المرفوضين من الترحيل عن طريق إخفائهم في بيوت المواطنين الألمان، فيما يطلق عليه اسم “اللجوء إلى المواطنين”. فكيف تتم هذه العملية وما هي التبعات القانونية لها؟
منذ كانون الأول/ديسمبر عام 2016، عندما بدأت الحكومة الألمانية بترحيل أول دفعة من طالبي اللجوء الأفغان المرفوضين إلى بلدانهم، بدأ المواطنون الألمان الرافضون لهذا الإجراء بتنظيم أنفسهم من خلال مبادرات إنسانية لمنع الترحيل الجماعي لطالبي اللجوء، وأطلقوا على عملية إخفاء طالبي اللجوء المهددين بالترحيل في بيوتهم اسم “اللجوء إلى المواطنين” أو (Bürgerasyl).
من أين جاءت فكرة “اللجوء إلى المواطنين”؟
الفكرة جاءت بالأساس من كندا، وبالتحديد من حركة باسم “شبكة مدينة التضامن”، والتي يقوم فيها الكنديون بتنظيم نشاطات وفعاليات للضغط على الحكومة من أجل عدم ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين، وتأمين فرص أفضل للمهاجرين الذي دخلوا كندا بشكل غير قانوني، حسبما تقول المتحدثة باسم مبادرة “اللجوء إلى المواطنين” في مدينة نورنبيرغ الألمانية ميشيلا بايتس لمجلة سيسيرو.
وتضيف بايتس أنهم يرون عمليات الترحيل الجماعية لطالبي من ألمانيا “غير إنسانية”، مشيرة إلى أن ولاية بافاريا تأتي في المقدمة من حيث أعداد طالبي اللجوء الذين تم ترحيلهم، ولذلك حرصوا على تأسيس المبادرة في الولاية نفسها.
“عصيان مدني” من أجل التضامن؟
وترى المتحدثة باسم المبادرة أن هناك “اعتباطية” في ترحيل طالبي اللجوء الأفغان، وخاصة في بافاريا، مضيفة إلى أن مجلس اللاجئين في الولاية تأكد من حالات تم فيها ترحيل بعض طالبي اللجوء “المندمجين” في المجتمع الألماني.
وحول ما إذا كانت مبادرتهم تقتصر على طالبي اللجوء الأفغان المهددين بالترحيل، تقول بايتس إنهم حددوا في البداية مساعدة طالبي اللجوء الأفغان كهدف لهم، حيث إن مبادرتهم مازالت “صغيرة”، على حد تعبيرها، لكنها أشارت إلى أنه من الممكن أن يساعدوا طالبي اللجوء السوريين أيضاً، في حال أعلنت الحكومة الألمانية في المستقبل أن الوضع في بعض المدن السورية آمن بما فيه الكفاية لإعادة بعض اللاجئين السوريين.
وبحسب الموقع الرسمي لمبادرة “مدينة التضامن” في أوروبا فقد توسعت مبادرة “اللجوء إلى المواطنين” لتشمل 18 مدينة ألمانية، بالإضافة إلى مدينتين سويسريتين وهما برن وزيورخ.
يصف القائمون على المبادرة “اللجوء إلى المواطنين” نوعاً من “العصيان المدني”، مثل الإضرابات والاعتصامات السابقة ضد الأسلحة أو النفايات النووية، مشيرين إلى ضرورة أن تعرف السلطات التي تقوم بترحيل طالبي اللجوء إلى بلدان قد يتم اضطهادهم فيها، مثل أفغانستان، أن هناك مواطنين يعارضون ذلك وسيخفون طالبي اللجوء عن السلطات.
ماذا لو ألقت السلطات القبض على طالب اللجوء المختبئ؟
بحسب القائمين على المبادرة فإن احتمال إلقاء القبض على طالب اللجوء الذي يخفونه يبقى قائماً دائماً، لكنهم يشيرون إلى أنه كلما ازداد عدد المواطنين الذين ينضمون للمبادرة، كلما ازدادت صعوبة إيجاد طالب اللجوء من قبل السلطات.
وعندما يتم القبض على طالب اللجوء المرفوض، فإن المبادرة تدعمه قانونياً في محاولة لإجراء قانوني آخر يمنع من ترحيله، مثل اللجوء إلى محاكم أعلى مثلاً.
عواقب قانونية؟
ولا يخفي المسؤولون على المبادرة إمكانية أن يؤدي نشاطهم إلى تبعات قانونية، مثل إمكانية بدء تحقيقات جنائية بحقهم، وحتى ملاحقتهم قانونياً ومعاقبتهم بتهمة “المساعدة في الهجرة غير الشرعية”، لكنهم يشيرون في الوقت نفسه إلى أنهم يحاولون تقليل تلك الأضرار المحتملة من خلال الاستشارة القانونية وطلب المساعدة القانونية من الحقوقيين المختصين.
وتنبه المبادرة الأشخاص الذين يدعمونها إلى ضرورة أن يكونوا مستعدين لدفع غرامة مالية تبلغ حوالي 100 يورو في أسوأ الحالات، وذلك في حال اتخاذ السلطات إجراءات قانونية بحقهم، مؤكدة في الوقت نفسه إلى أنهم يسعون إلى استخدام كل إجراء جنائي لحشد المزيد من الناس.
ويثير الترحيل الجماعي لطالبي اللجوء الأفغان انتقادات واسعة للحكومة الألمانية من قبل المنظمات الإنسانية والحقوقية، وكانت آخر رحلة في بداية تموز/يوليو 2018، حيث تم ترحيل 69 أفغانياً إلى بلدهم، ليصل العدد الإجمالي للأفغان الذين تم ترحيلهم منذ نهاية 2016 إلى أكثر من 280 شخصاً.
وبالرغم من أن المبادرات الإنسانية مثل “اللجوء إلى المواطنين” قد تشكل ضغطاً على الحكومة من أجل التدقيق أكثر من مدى اندماج طالبي اللجوء قبل ترحيلهم، إلا أنه من الواضح أن سياسة ترحيل طالبي اللجوء ستستمر في ألمانيا، في محاولة من التحالف الحكومي لوضع حد لتيار اليمين الشعبوي المتصاعد في أوروبا.