لقاء سوتشي.. خلافات غير معلنة وبحث عن طريق

Facebook
WhatsApp
Telegram

هل حقق لقاء سوتشي الأخير الذي عُقد في الثلاثين من تموز الفائت مبتغاه الذي خططه الروس له؟ وهل استطاع الروس فرض هذا اللقاء ليكون بديلاً عن قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالصراع في سورية؟ أم أنّ هناك خلافات غير معلنة بين الأطراف الضامنة والمتصارعة تمّت مواراتها خلف لغة بيانٍ قرأه ألكسندر لافرنتييف؟

قبل الإجابة على هذه التساؤلات لا بدّ من تذكر أنّ الولايات المتحدة الأمريكية رفضت المشاركة كمراقبٍ في هذه الجولة، مما جعلها جولةً في طور عدم فعالية حقيقية.

عدم حضور الولايات المتحدة يشير إلى رفضٍ أمريكي باستبدال “جنيف الدولية” بـ “سوتشي الروسية”، هذا الرفض أتى بعد غضب الكونغرس الأمريكي من “قمة هلسنكي” بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، والتي قدّم فيها الأول تنازلات بخصوص ملفات هامة، مثل ملف التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وترك الملف السوري للروس.

عدم مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية يعني اضطرار الجولة العاشرة التي عُقدت في سوتشي إلى الإقرار بضرورة جنيف من خلال ورقتي عمل هما نتائج سوتشي والقرار الدولي 2254 فالأمريكيون والغرب عموماً يضمنون مصالحهم في الحل الدولي وليس في الحل الروسي.

الروس كانوا يريدون فرض “أستانا – سوتشي” كطريق وحيدة للحلّ السياسي في سورية، هذه الرغبة الروسية والتي ظهرت من خلال إعادة إنتاج سيطرة النظام على الجغرافية السورية بمساعدة كبيرة من الروس أنفسهم والإيرانيين وميليشياتهم، والسماح للنظام بإعادة إنتاج نفسه ومؤسساته.

ذه الرغبة الروسية تصطدم في الواقع بأمور عديدة، فقرار الصراع السوري وحلّه ليس قراراً روسياً منفرداً، وبوتين يعرف ذلك رغم كل محاولاته باللعب على تناقضات مجموعة “أصدقاء سورية”.

وأن هشاشة الموقف الأمريكي وتردده، لا بل محاولة انسحابه يدلّ على تورط دونالد ترامب مع بوتين والروس أكثر مما يدلّ على أنّ ذهنيته السياسية بالتعامل مع القضايا الدولية ذهنية تجارة وصفقات.

الكونغرس الأمريكي الذي استدعى وزير الخارجية مايك بومبيو للإدلاء بشهادته حول قمة هلسنكي استطاع منع ترامب من الذهاب في خدمة السياسة الروسية على حساب المصالح الأمريكية.

الروس لم يكونوا جازمين حيال ملف الشمال السوري، واعتماد الضامن التركي في السيطرة على الوضع لنقل هذا الشمال “إدلب – شمال حلب – شمال حماة” من مرحلة خفض التصعيد والتوتر إلى مرحلة الوقف الكامل لإطلاق النار، وترتيب الأوضاع السكانية، بما يخدم مرحلة السلام القادمة في سورية. وهذا يجعل من الموقف التركي في وضع الترقب والحذر، وأن المناورة بالوقت ستكون مفيدة للمعارضة السورية والشعب السوري، فلربما تغير الموقف الأمريكي نتيجة تغير داخلي في موقف الأمريكيين.

الروس لم يدركوا بعد أنّ تجاهلهم لإرادة الشعب السوري ناجمةً عن جهلهم بهذا الشعب، وأن انتصاراتهم العسكرية على الفصائل المسلحة هي انتصارات مرحلية على وضع سياسي – عسكري كان ممزقاً بفعل غياب الرؤية الثورية وأصحابها عن قرار الخلاص من الاستبداد واستبداله بدولة مؤسسات ديمقراطية تعددية.

لذلك لن يستطيع الروس فرض طريق سوتشي – أستانا على بقية أطراف الصراع الداخلية والدولية، وهذا ما جعل لغة البيان التي قرأها ألكسندر لافرنتييف تشير إلى ضرورة عقد لقاءٍ في جنيف لمناقشة السلة الدستورية.

إنّ سوتشي مرآة حقيقية للقوى المتصارعة على سورية، وظهر ذلك جلياً، فبشار الجعفري الذي صبّ نار غضبه على الأمريكيين وغيرهم كان ينطق باسم إيران عموماً وباسم الروس إلى درجة ما، وكذلك كان وضع أحمد طعمة رئيس وفد المعارضة إلى سوتشي، والذي لا يملك أوراقاً فاعلة في الصراع ليلوح بها في وجه خصومه أو من ذهب ليفاوضهم.

إذاً ما الحاجة الروسية إلى سوتشي فعلياً ما دام الروس يعرفون كل تشابكات وتداخلات وتناقضات الوضع السوري داخلياً وإقليمياً ودولياً؟

إنّ حاجة الروس إلى سوتشي هي حاجتهم إلى طريق موازية لطريق مفاوضات جنيف الدولية، فهم بالنهاية سيذهبون إلى جنيف متسلحين بورقة سوتشي لتعديل اتجاهات الحل السياسي الذي نصّت عليه قرارات مجلس الأمن وبيان جنيف واحد، ليكون هذا الحل محققاً لمصالحهم السياسية، ومحققاً لبقاء آليات الاستبداد متحكمةً بالشعب السوري كما هم يتحكمون باستبدادهم بالشعب الروسي.

هذا الموقف الروسي يحتاج بالضرورة إلى مواجهة سياسية حقيقية من الشعب السوري وقواه الرافضة لتصفية الثورة السورية وإعادة انتاج الاستبداد. هذه المواجهة ممكنة إذا انتقلت القوى الوطنية الديمقراطية من مربعاتها السابقة بالمراهنة على دور خارجي بحلٍ للصراع السوري إلى مربعها الداخلي الذي يتمثل بضرورة وحدة القوى ووحدة برنامج عملها ووسائلها وأدواتها. هذا الموقف الوطني الديمقراطي لا يزال ممكناً شرط عدم توظيفه لمصالح وأجندات خارجية مهما كان لونها واسمها.

الانتقال إلى المربع الداخلي سيضع دول الإقليم والدول الفاعلة في الملف السوري في موقع إعادة النظر بكل سياساتها السابقة بخصوص القضية السورية.

سوتشي لم تزد للروس شيئاً جديداً، ولكنها أوضحت لنا أن خلافات موجودة يمكن تلمسها من خلال تحليل وقراءة بيان سوتشي بعمق.

مقالات ذات صلة