يعاني النازحون المقيمون في المناطق المحررة في محافظة درعا من ارتفاع كبير بأسعار إيجارات المنازل، حيث وصلت في بعض بلدات المحافظة لأكثر من200 دولار أمريكي، وهو مبلغٌ يفوق قدرة الغالبية العظمى من النازحين على سداده؛ ويأتي هذا الارتفاع في ظل غياب قانون واضح ينظم العلاقة بين المستأجر والمؤجر في تلك المناطق.
يقول “أنس محاميد” في حديث لـ SY24 وهو نازحٌ يقيم في إحدى الخيم بالسهول المحيطة في مدينة درعا بعد أن دمر النظام بيته وتعذر عليه استئجار منزل يأويه وعائلته: “لا يمكن لقسم كبير من النازحين استئجار منزل، بعد أن وصلت الإيجارات لأسعار غير منطقية، فالمنزل الرخيص يتجاوز الـ50 دولاراً وهو مبلغ يشكل أكثر من نصف دخلي الشهري، فلم يعد لدي خيار أمامي إلا الخيمة كي أستطيع إطعام أطفالي”، مضيفا: “بعض أصحاب البيوت أصبحوا تجار أزمات، فكيف لبيت في بلدة أن يصل سعره لـ 200 دولار، وكان قبل الثورة لا يتجاوز الـ40 دولاراً في أحسن الحالات”.
وزعم “محاميد” أن ما أسماه “الاستغلال” يعود مرده لـ “تلاشي حالة التكاتف ما بين المناطق الثائرة”، معتبراً بأن “السبب هو تدمير بعض تلك المناطق وإبقاء بعضها الآخر مع التردي الاقتصادي على جميع المناطق المحررة”.
من جهته يقول المحامي “عبد المنعم خليل” مدير مؤسسة “يقين الإعلامية”: “منذ بداية الثورة وعندما بدأ النظام قصفه للبلدات والمدن الثائرة، تهجر الأهالي عنوة إلى القرى والبلدات الأقل قصفاً وخطراً، وكان النازحون ضيوفاً بل أخوة مرحب بهم، حيث يتم تأمين بيوت لهم بالمجان، وكان معيباً بحق أهل المناطق المضيفة أن يأخذوا إيجاراً لبيوتهم”.
وأضاف “خليل”: في تصريح لـ SY24: “مع طول أمد الثورة، وسيطرة النظام على قرى ومدن كانت محررة، وعودة الكثير ممن لجأ إلى دول الجوار، وعدم وجود فرص العمل وغلاء الأسعار وصعوبة الحياة، بدأ الأهالي بتأجير بيوتهم بنسب تتفاوت بين بلدة وأخرى”.
وأوضح بأن أجرة البيوت ارتفعت بنسب مخيفة، وحسب البلدة وموقعها، والأمر ليس محصوراً بدرعا بل في معظم المناطق المحررة بسوريا، وتتراوح نسبة الإيجار ما بين ٣٠ دولارًا إلى ٢٠٠، ومبلغ ٢٠٠ دولار أجرة للبيت؛ مرتفع جداً مقارنة بأجرة البيت في مناطق النظام.
وأرجع خليل السبب لعدة نقاط أهمها: “عدم توافر المنازل في المناطق المحررة بسبب الدمار الذي لحق بها جراء القصف وتحويلها إلى ركام، وبسبب زيادة أعداد المهجرين قسراً من مناطقهم وبحثهم عن مناطق مأهولة، ليتمكنوا من فتح مشاريع صغيرة، تساعدهم على مواجهة الحياة، وبسبب ارتفاع الأسعار حيث أن الأسعار في المناطق المحررة مرتفعة أضعافاً مضاعفة، قياساً مع مناطق سيطرة النظام.
وتابع “خليل” أن من بين أسباب ارتفاع الإيجارات، هو بعض المهجرين المقتدرين، معتبراً بأنهم لعبوا دوراً بارزاً في هذا الارتفاع، حيث عمدوا إلى إغراء أصاحب المنازل بمزيد من المال، وخصوصاً في المناطق المأهولة والتجارية، وهو ما أدى لارتفاع إيجار المنازل في المناطق المحررة.
وحول غياب أي إطار قانوني ناظم للإيجار في المناطق المحررة، ووجود حالات طرد المستأجر من قبل المؤجر دون وجود أي رادع يحفظ كرامة المستأجر، علق خليل بالقول: “المستأجر يغفل أمراً هاماً، وهو القيام بتنظيم عقد مع المؤجر بطريقة نظامية، ويكفي شاهدين اثنين، حتى بدون توثيقه بالبلدية، وهذا العقد كفيل لوقف المؤجر عن القيام بأي تجاوز”، لافتاً إلى أن “المستأجر يقع ضحية المؤجر الذي يقوم بطرده متى يريد وذلك لعدم وجود عقد ينظم العلاقة بين الطرفين”.
وأكد بأن “القانون في المناطق المحررة بدرعا موجود، وهناك عدة حالات تم رفعها لدار العدل في هذا الخصوص، وتم حل الخلاف عبر القانون، وأنا شخصياً تسلمت مؤخراً دعوى قضائية لخلاف بين مؤجر ومستأجر”.
أما الصحفي “رامي الخطيب” والذي يقيم في الريف الشرقي لدرعا بعد تهجيره من مدينة درعا أكد قائلاً لـ SY24: “أجرة المنازل في المناطق المحررة متفاوتة، فهناك بلدات لا تزال تقوم بإسكان المهجرين بالمجان كبصرى الشام والكرك الشرقي، وهناك بلدات تتراوح فيها الإيجارات ما بين متوسطة ومرتفعة جداً، ويعود هذا الارتفاع لتحول بعض البلدات لمناطق تجارية”.
ونوه الخطيب أن: “التعامل النقدي في المناطق المحررة بالدولار الأمريكي في معظمه، لذلك فإن الإيجارات تكون غالية إذا ما تم تحويلها للعملة السورية.
وفيما يخص المقارنة بين الإيجارات في المناطق المحررة ومناطق النظام، يشير “الخطيب” إلى أن الإيجارات في مناطق النظام مرتفعة، مقارنة براتب الموظف، في حين أن متوسط الدخل في المناطق المحررة يلامس الـ 200 دولار، من خلال الرواتب المعمول بها، مقارنة بأقل من 70 دولاراً في مناطق النظام.
وعلى الطرف الأخر يقول أحد المواطنين المقيمين في مناطق سيطرة النظام في محافظة درعا، رافضاً الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية إن: “الإيجارات تتفاوت ما بين 15 الى 30 ألف وهي أرقام إذا ما قورنت مع الرواتب تصل لأكثر من 90% من الراتب”.
وأشار إلى أن العلاقة بين المستأجر والمؤجر بمناطق النظام لا يربطها القانون بقدر ارتباط أحد الطرفين بالنظام، أي أن نفوذ أحدهما لدى النظام أو مخابراته أو شبيحته، يعني أن لديه ذراع طويلة فوق القانون، سواء بالطرد من قبل المؤجر أو بعدم دفع الإيجار من قبل المستأجر.