على الرغم من توصل الدول الضامنة لمسار “أستانا” وهي “تركيا، وروسيا، وإيران”، منتصف أيلول من العام 2017، إلى اتفاق لإنشاء “منطقة خفض التصعيد” في منطقة إدلب، إلا أن روسيا ومن خلفها النظام لم تتوقف منذ توقيع الاتفاق عن ارتكاب الخروقات على صعيد القصف والغارات الجوية بشكل شبه يومي.
ولم تكتف تلك الأطراف بارتكاب الخروقات وحسب، بل عمدت مؤخرًا، وعقب انتهاء الأحداث في محافظتي درعا والقنيطرة جنوبَ البلاد، لصالح النظام وحليفته روسيا، إلى شن حربٍ من نوع آخر على سكان إدلب، من خلال قيام ماكينات النظام وروسيا الإعلامية بالترويج وبقوة عن تعزيزات للنظام وميليشياته على أطراف محافظة إدلب تمهيدًا لاقتحامها، في سعي منهم لإحباط معنويات الأهالي والثوار.
إلا أن الأنباء الواردة من مدن وبلدات إدلب وأريافها تفيد بعكس ذلك، خاصة وأن نسبة كبيرة من الأهالي لا يعولون على تلك الشائعات وما تروج له وسائل إعلام النظام وروسيا، ولا يعيرونها أي اهتمام، الأمر الذي شكل صفعة قوية وجهها الشارع الإدلبي للنظام وأعوانه.
ورصد موقع SY24 آراء عدد من الكتاب والمحللين السياسيين والنشطاء الإعلامين، للحديث عن سكان إدلب ومختلف الفعاليات الثورية والمدنية، وكيف تمكنت تلك الفعاليات من الوقوف ومواجهة تلك الشائعات الصادرة عن وسائل اعلام النظام وداعميه.
إدلب ورشة وعمل وحَراك ثوري لا يهدأ
الكاتب والمحلل السياسي “أحمد مظهر سعدو” قال: “تتابع محافظة ادلب تمتين جبهتها الداخلية، عبر إعادة الاعتبار لثورة الحرية والكرامة التي انطلقت عام 2011، الثورة السلمية هي من زلزل أركان النظام الأسدي، وخلخل بنيانه، وجعله آيلًا للسقوط، لولا الإنقاذ الذي وصله عبر إيران ومن معها، وروسيا وطائراتها”.
ويرى” سعدو” أن ادلب اليوم، وكل ادلب بسكانها الأصليين، ومهجريها القسريين، الذين جاؤوها من كل أصقاع الوطن، في ورشة عمل ونشاط لا يهدأ، وحراك وطني ثوري، لا يتراجع، فمن مظاهرات حاشدة كبرى، يوم الجمعة، إلى إعادة لململة الصفوف وتوحيد الفصائل العسكرية، استعدادًا للمعركة الفاصلة، وكذلك انطلاق تشكيلات المقاومة الشعبية في ادلب، عبر لقاء الوطنيين المدنيين في خلايا للعمل اليومي، منهم من يحفر الخنادق، ومنهم من يهيئ المستلزمات الطبية، وآخرين يشتغلون من أجل أن يكونوا حاضنة شعبية قوية، ورديفًا عمليًا للمقاتلين على الجبهات.
وتابع: “حيث لا وجود لمن تسول له نفسه أبدًا، أن يكون “ضفدعًا” جديدًا في محافظة امتلكت الثورة، وشرَّفها العمل الثوري، في مواجهة قوى البغي الأسدي، وكل الميليشيات الطائفية التي استقدمها، من لبنان أو العراق أو باكستان، أو سوى ذلك”.
وأكد “سعدو” أن ادلب لم تشهد في كل المعارك التي خاضتها حالة من الحَراك الكبير، كما هي عليه الآن، وهي بذلك تعبر عن روح الثورة، عندما نسيتها بعض أطياف المعارضة، التي باتت لا حركة لها ولا حراك، عندما آثرت الجلوس والتنظير، عن الخوض في ماهية العمل الوطني الميدان.
ولفت سعدو أنه: “ليس في إدلب اليوم من يمكن أن يسلم أو يستسلم مهما تخلت عنه دول الإقليم، أو الدول العربية البائسة، أو بعض دول العالم العظمى، ممكن كان يدَّعي صداقة الشعب السوري”.
وبينّ الكاتب والمحلل السياسي، أن معركة ادلب هي معركة كل الشعب السوري بكل أطيافه، معركة الشهادة أو النصر، وقد اختار 3 ملايين إنسان أن تكون معركتهم كذلك، دون النظر إلى كل المتغيرات السياسية الدولية، التي لم تجلب للسوريين سوى الوبال والوباء”.
خِيار الصمود هو الوحيد
وفي ردّ منه على سؤال حول مدى قدرة سكان إدلب على مواجهة ماكينات النظام وروسيا الإعلامية والوقوف بوجه الشائعات، أجاب “مصطفى سيجري” رئيس المكتب السياسي للواء المعتصم التابع للجيش السوري الحر: “بالتأكيد مثل هذا الأسلوب ليس بالجديد، وهو متوقع وقد استخدمه النظام في معظم محطاته الإجرامية، ولكن الوضع في الشمال السوري مختلف تمامًا، أهالي هذه المناطق وجميع القوى التي تم تهجيرها إلى هنا تعتبر صفوة الثورة السورية، وخيار الصمود والثبات والمواجهة هو خيار الجميع”.
درجة عالية من الوعي لمواجهة شائعات النظام
ولم يختلف الحال بالنشبة لنشطاء إدلب الإعلاميين، الذين لفتوا إلى خطورة ما يروج له نظام الأسد وروسيا من شائعات وحرب نفسية، مشيرين في الوقت ذاته إلى أن الأهالي باتوا على دراية تامة بالأساليب التي تتبعها تلك الأطراف لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية على الأرض وفي المحافل الدولية.
“حسن المختار” ناشط إعلامي من محافظة إدلب قال لـ SY24: إن الأهالي في إدلب وفي الشمال المحرر عمومًا أصبحوا على درجة عالية من الوعي لموضوع الحرب الإعلامية والماكينة الإعلامية للنظام وروسيا، وحتى الإعلام الرديف للنظام.
وأضاف، بأن: “اليوم نرى الكم الهائل من الإشاعات التي يتم تناقلها عن معركة إدلب ومعركة الحسم والحشودات العسكرية للنظام على أطراف إدلب، وهذا الأمر أثر بشكل سلبي نوعًا ما على بعض المدنيين وخاصة البسطاء منهم غير القادرين على التفريق ما بين الإشاعة وما بين المعلومة، لذلك فإن قسم لا بأس به من المدنيين بات لديه فكرة واعية جدًا عن الموضوع.
إعلام الثورة ودوره في نفي الشائعات
ولفت “مختار” إلى الدور الذي يقوم إعلام الثورة للوقوف في وجه الشائعات وما يروج له النظام وأعوانه، بالإضافة للعمل على توعية الأهالي إزاء ذلك.
وقال المصدر ذاته: “أيضًا إعلام الثورة كان له دوراً إيجابياً كبيراً، من خلال الناشطين والعاملين في المجال الإعلامي الذين كان لهم بصمتهم في هذا الموضوع بتوعية الناس على أن النظام يشن حرباً إعلامية لا أكثر، وأنه يبالغ كثيرا في الترويج لمعركة إدلب.
وشددّ “مختار” على ضرورة أن يكون لدى المدنيين الفكر الواعي، كما يجب عليهم تجاهل المعلومة الصادرة عن إعلام النظام، مطالبًا الناشطين العاملين في الثورة السورية عدم تناقل الإشاعات وأي معلومات صادرة عن إعلام النظام.
وأضاف “مختار”: نحن كناشطين في المجال الإعلامي نعمل قدر الإمكان على توعية الناس، وقد لا حظنا أن قسمًا كبيرًا من المدنيين ينظر بعين المكذب لما يقال على إعلام النظام.
ملاحقة مروجي المصالحات مع النظام
في حين، قال “محمد الإدلبي” الناشط الإعلامي في حديثه لـ SY24: “يتجاهل أهالي إدلب الحرب الإعلامية للنظام، من خلال الاجتماعات والمظاهرات التي طرأت في الآونة الأخيرة بشكل كبير، ومن خلال زيارة خطوط التماس ومساعدة الفصائل العسكرية في التدشيم والتحصين، ومتابعة الوضع الميداني بشكل كبير من خلال التواصل مع ناشطين ضمن مناطق النظام وخصوصًا “حماة وحمص”، من أجل معرفة كمية الحشودات وتكذيب النظام أثناء بث صور وفيديوهات قديمة لأرتال في معارك سابقة، مستفيدين من الأرشيف في مواقع التواصل الاجتماعي وتكذيب صفحات النظام من خلالها.
كما يستشهد الأهالي والعسكريين، بحسب “الإدلبي”، بالمعارك مع النظام في محافظة إدلب خصوصًا في البدايات، حيث كان السلاح بندقيات الصيد “بومب اكشن” وقنابل “المالتوف” وتم في وقتها تكبيد النظام خسارة كبيرة في العتاد والأرواح.
ويرى “الإدلبي” أن من أهم عوامل التصدي للنظام، هو حملات الاعتقال ضد “مروجي المصالحات” ومن كان ينشر أخبار انتصارات النظام الوهمية، وكان لهذا الأمر وقعاً إيجابياً لدى معظم الأهالي.
أما “وسام عبد العال” عضو مركز إدلب الإعلامي فقال: “إن الناس على الأرض يعملون ويرسلون أبناءهم إلى المدارس وشبابهم إلى خطوط الرباط، لأنهم قد تعودوا عيشة الثائرين ولا يكترثوا للإشاعات خصوصاً أن مصدرها نظام مجرم واحتلال روسي حاقد”.
بينما أشار الناشط الإعلامي “خالد الحسين” إلى أن “أغلب الفعاليات الثورية والمدنية تعمل بكل طاقتها، لوضع الطمأنينة في قلوب المدنيين من نساء وأطفال في المحرر، عن طريق نشر الأخبار الإيجابية والابتعاد قدر المستطاع عن الأخبار السلبية والكاذبة التي يعمل النظام على بثها، بالإضافة لتنظيم مظاهرات من قبل ناشطين وفعاليات مدنية وسياسية، لتثبت للعالم أجمع أننا متشبثون بأرضنا ووطننا ولن تثنينا تهديدات النظام وأعوانه”.
ولم يخالف رأي الناشط الإعلامي “أحمد الضعيف” الذي قال: إن شعب إدلب في المناطق المحررة أصبح يعرف ويستوعب ألاعيب النظام النفسية التي تلعب على الوتر الحساس، من خلال الإعلام وكل الإشاعات الصادرة عنه”.
وأضاف، أنه لو فرضنا أن ما يروج له النظام ليس إشاعات، إلا أنه في الوقت ذاته نرى الفصائل العسكرية على خطوط الجبهات وخطوط التماس مع النظام، تعمل على تجهيز المواقع الخاصة بها 100%، كما تعمل على تجهيز الخطط العسكرية لمواجهة أي عمل عسكري يحضر له النظام ضد إدلب.
بدوره، قال “صفوان رمضان” عضو الهيئة السورية للرياضة والشباب وأمين سر اللجنة الفنية لكرة القدم بمحافظة إدلب: إنه بالنسبة للفعاليات الثورية، فإنها “ترد بشكل قوي على ما يروج له النظام وروسيا، وذلك من خلال الخروج بمظاهرات قوية في غالبية المناطق المحررة، في رد منهم على الشائعات، معتبرًا أن ذلك الأمر هو أكبر رد على شائعات النظام وروسيا”.
وأكد “رمضان” أن الخيار بالنسبة لهم اليوم هو الموت أو أن تبقى الأراضي محررة، فلا أحد يقبل بدخول النظام بأي شكل كان، مضيفًا أن كل تنسيقيات الثورة مستمرة بالدعوة لمظاهرات قوية، ما يؤكد أنه لم يعد هناك أي خوف في قلوب هؤلاء المدنيين.