أثار المرسوم التشريعي رقم 16 لعام 2018 والخاص بوزارة الأوقاف، والذي صادق عليه رأس النظام بشار الأسد، منتصف الشهر الماضي، الكثير من الجدل بين حقوقيين وسياسيين وشرائح أخرى من المجتمع السوري.
ودفع المرسوم التشريعي المثير للجدل بأعضاء مجلس الشعب التابع للنظام للاجتماع، قبل عدة أيام، وإقرار تعديل وحذف وإضافة عدد من المواد، بعد الموافقة عليها من رئيس المجلس، ورفعها لرأس النظام بشار الأسد للمصادقة عليها وإقراره “قانونًا” بدلًا من مرسوم تشريعي، بحسب ما نقلته وسائل إعلام عن أعضاء في هذا المجلس.
وكانت مصادر إعلامية أخرى تحدثت عن سبب اعتراض الموالين للنظام على هذا المرسوم كونُه يمنح سلطة دينية مطلقة لوزارة الأوقاف فيما يتعلق بالسياسة الدينية والمال الديني، وتعيين المفتي وتحديد مدة عمله بقرار من وزير الأوقاف وليس من الرئيس ولا تُجدد بمرسوم، إضافة لصلاحيات أخرى، الأمر الذي أعتبره موالو الأسد أنه “أسلمة” لمؤسسات الدولة.
أبرز التعديلات على المرسوم 16:
وطالت التعديلات التي صوت عليها أعضاء مجلس الشعب التابع للنظام بأغلبية الثلثين، عدد من البنود من أبرزها تعديل مسمى “المجلس العلمي الفقهي الأعلى” ليصبح “المجلس العلمي الفقهي” وزيادة عدد أعضائه من 20 إلى 25 عضواً يمثلون كافة المذاهب في سوريا، وتعديل عبارة “مجلس الأوقاف الأعلى” إلى “مجلس الأوقاف المركزي”، بحسب موقع “الحدث” الإخباري.
كما تم التصويت على حذف البند الذي يمنح وزير الأوقاف حق تعيين غير السوريين في العمل الديني ووفق ضرورات المصلحة العامة، ليتم إقرار تحديد من هم من حملة الجنسية السورية، كشرط للتعيين في العمل الديني.
وتم تعديل الفقرة (ط) من المادة (12) في مسودة المرسوم والتي تنص على أن :العروبة والإسلام هوية لا يمكن التنازل عنها، فتم تعديلها لتصبح: العروبة والإسلام متلازمان وحسب، بعد حذف الفقرة المشيرة لعدم التنازل عن العروبة كهوية.
كما تم بشكل نهائي، حذف الفقرة التي جاء فيها: تسعى الوزارة إلى تمكين اللغة العربية من خلال الجهات التي تتبع لها كافة، بحسبان أن اللغة العربية لغة القرآن الكريم وهي الحامل للثقافة والعروبة كحالة حضارية.
وشمل الحذف والتعديل عددًا من المواد الأخرى، بحسب موقع “المدن”، كالمادة 29 المتعلقة بالإعفاءات الضريبية الكاملة للأجور التي يتقاضاها المكلفون بالعمل الديني، والمادة 68 المتعلقة بوجوب إحالة القضايا المتعلقة بأموال الأوقاف إلى المحاكم المستعجلة، وإعطاء قراراتها صفة النفاذ المعجل، يضاف إلى ذلك حذف فقرتين جزئيتين من مادتين مختلفتين؛ تتعلق إحداهما برعاية الأوقاف لأسر الشهداء بالتعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية، وتطال الثانية الفقرة المثيرة للجدل حول صلاحية الوزير باستثناء شرط الجنسية السورية ومن في حكمها للمكلفين بالعمل الديني، لتغيب في القانون الجديد.
وسائل إعلام إيرانية: المرسوم جاء لضبط الشارع الديني:
ورحبت وسائل إعلام إيرانية بمشروع المرسوم 16 الخاص بوزارة الأوقاف، وقالت قناة “العالم” الإيرانية على موقعها الرسمي إن: “دمشق تحاول ضبط الشارع الديني بعد مرحلة من الانفلات على مدة عقد ونصف، ونحن نتفهم منها هذه الخطوة، خصوصاً أنها لا تستطيع إلغاء هذا الشارع، لأننا نعيش في الشرق الأوسط ومنطقتنا يسيطر عليها الدين بشكل كبير، ويبسط سيطرته على معظم تفاصيل الحياة”.
ولم يكن كلام وزير الأوقاف في حكومة النظام “محمد عبد الستار السيد” مغايرًا لما تحدثت به وسائل الإعلام الإيرانية، فقد رأى أن المرسوم جاء لضبط العمل الديني وقال في تصريحات متلفزة له: “للمرة الأولى يصدر في سوريا تشريع لضبط العمل الديني ومؤسسته، وهناك نص لا لبس فيه يتعلق بمحاربة الفكر التكفيري المتطرف كالوهابية والإخوان”.
وأضاف: إن “وزارة الأوقاف ستشترك مع وزارات الإعلام والتعليم والثقافة في مراقبة النصوص الدينية التي ترد في موادّها، بغية الكشف عن أي فكر تكفيري قد يمرّ فيها”.
ولفت، إلى أن “مشروع المرسوم حول الأوقاف تم التحضير له خلال السنوات الماضية عبر لجنة تضم عدداً من القضاة الشرعيين، وعرض على مجلس الوزراء مؤخراً حيث استمرت مناقشته نحو 7 ساعات”.
المرسوم هدفه إكمال سيطرة إيران على سوريا:
من جهتها، أصدرت هيئة القانونيين السوريين الأحرار، الجمعة، مذكرةً قانونية بخصوص المرسوم رقم 16 لعام 2018 الناظم لعمل وزارة الأوقاف، وجهتها إلى مجلس الأمن الدولي، مبينة أن من أهداف هذا المرسوم تشييعُ سورية وإكمال سيطرة إيران عليها، وغصب العقارات الوقفية والاستيلاء عليها لصالح إيران، استكمالاً للتغيير الديمغرافي.
وقال رئيس “هيئة القانونين السوريين الأحرار” القاضي المستشار “خالد شهاب الدين” في تصريح خاص لسوريا 24 : إن “المرسوم 16 ما هو إلا ضمن سلسلة لإكمال سيطرة إيران على سورية، والدليل على ذلك أن هذا المرسوم يعمل على تحويل وزارة الأوقاف إلى فرع مخابرات يرأسه وزير الأوقاف التابع لمنظومة بشار الأسد، الذي ينفذ أوامرها في إكمال السيطرة الإيرانية”.
وتابع: أيضًا هذا المرسوم نص في المادة الثانية على تصفية كل من عارض بشار الأسد بحجة أنه منتمي لتنظيم إرهابي سموه “جماعة الاخوان المسلمين” تحت المرسوم 49 لعام 1980، وبالتالي الإعدام خارج نطاق القضاء مباشرة أو انه سلفي ويجب إعدامه وتصفيته، ومن يقرر ذلك هي المرجعيات الدينية التي سيعينها وزير الأوقاف، لافتًا إلى أن هذا الأمر خطير جدًا وهو ركن من أركان جريمة بشعة مخططة لها، وهي تعد جريمة قتل عمد، وهذا بعد كبير جدًا لهذا المرسوم بخصوص من عارض بشار الأسد.
تجميد منصب مفتي الجمهورية كونه “سّني”:
وكان وزير الأوقاف في حكومة النظام قال أيضًا: إن “مشروع المرسوم يتضمن تشكيل المجلس العلميّ الفقهيّ الأعلى، ويضم 20 من كبار العلماء في المذاهب الدينية الموجودة في سوريا للبحث في الأمور الفقهية بشكل مشترك”.
في حين، رأى القاضي “شهاب الدين” ، أن هذا المرسوم يمهد ليس لأسلمة سوريا بالمعنى الذي روج له المؤيدين، سواءٌ منهم من فسر المرسوم خطأ وسواء من وجه لهذا التفسير قصدًا لإبعاد المفهوم الحقيقي والأبعاد الحقيقية لهذا المرسوم، بأنه يؤدي إلى “التشييع” من خلال تجميد منصب مفتي الجمهورية وهو “سني” لأن غالبية الشعب السوري من السّنة، وتحويل الأمر إلى طائفية كونهم يريدون إنشاء “مجلس علمي فقهي” يدخلون إليه أكثر من 25 عالم من كافة الملل والطوائف والمذاهب بما فيها الشيعة، وسيدخلون علماء من (قُم) وهذا الأمر واضح لإكمال سيطرة إيران على سورية، وليس لتنظيم عمل وزارة الأوقاف.
وأشار إلى أن المرسوم يسمح أيضًا لوزارة الأوقاف، بتأسيس شركات مغفلة على نمط “شركة دمشق/شام القابضة” التي أدخلت شركات الإعمار الإيرانية والروسية لسوريا، وأيضا يسمح بتنظيم عقود طويلة الأجل لمدة 40 سنة ستمنح إيران إمكانية السيطرة على العقارات الوقفية، مشيرًا إلى أن الكل يعلم أن الأوقاف السورية من أغنى الأوقاف بالنسبة للعقارات وحتى المنقولات، كما أعطى الحق أيضًا لوزير الأوقاف وحجبه عن الأخرين، بالاحتجاج أمام القضاء أو بتسوية الأمر مباشرة بالاستعانة بالضابطة العدلية في حال التعدي على عقار وقفي او أملاك وقفية، وإذا لم يحرك الأمر وزير الأوقاف فلا يمكن للقضاء ان يتدخل فهذا أمر مقصود.
إضعاف المكون “السّني”:
وتعليقًا منه على المرسوم 16 قال رئيس هيئة الإنقاذ السورية الدكتور “أسامة الملوحي” لسوريا 24: إن هناك خطة متسلسلة لها بعد عالمي، باتجاه إضعاف أهل السنة والجماعة فهم يمثلون الإسلام القويم فهم الأمة ومن خرج عنهم طوائف وملل ونحل، مضيفًا أن أهل السنة ليسوا بطائفة.
فيما رأى “منير الفقير” الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أن الهدف من المرسوم هو إمساك كل خيوط العمل الديني في سوريا وضبطها بشكل كامل والتحكم بها، والتحكم أيضا بالخطابات وأن تكون ضمن سياسة الدولة وتوجهاتها.
وأضاف في حديثه لسوريا 24، أن الأخطر من ذلك كله، أن هناك عملية تأميم للأوقاف الإسلامية السنية، وجعلها عائمة مع كل الأوقاف الأخرى والأنشطة الدينية الأخرى، على مستوى الأوقاف وحتى على مستوى المفاهيم الدينية وتم خلط كل شيء ببعضه، وبالتالي أصبحت المرجعية هي مرجعية دينية حصرًا وليست مذهبية، لذلك فالإيرانيون رحبوا بالموضوع لأنهم أقوياء على الأرض في سوريا، ومن خلال هذا المرسوم الذي أصبح قانون، بإمكانهم أن يمرروا أي شيء في سوريا ، لأنك إذا أردت أن تقول أن هناك ثوابت مذهبية معينة فخطابك سيكون مصادر لصالح خطاب مختلف خَلقَ مرجعية جديدة في الأوقاف تتضمن كل المذاهب وكل هذه الطوائف، فهناك توجه لإضعاف الأكثرية السنية بتعويم المذاهب ليصبح الموضوع عائم والأمور كلها مجرد دين واحد.
ويرى “الفقير” أن هذا الأمر سيضيع هوية الأكثرية السورية التي هي هوية سّنية، ضمن هويات الأقليات المذهبية القليلة جدًا مثل العلوية أو الطوائف الأخرى، أو الأقليات الطارئة مثل الشيعة في سوريا، وسيتم تذويب الهوية السنّية الأكثرية في هذه الطوائف وهذا خطيرٌ جداً.
تقييد عمل “مشايخ الفتوى”:
ولفت “الفقير” الانتباه، إلى موضوع “الإفتاء” من خلال هذا المرسوم، وقال : إن الإفتاء كان إلى حدما له مؤسساته الخاصة ويوجد مشايخ اسمهم “مشايخ فتوى” وهم قلة، مبينًا أنه لم يعد يتم تعيين مشايخ فتوى منذ مدة وهم معتمدون من إدارة الفتوى، وأن هؤلاء اليوم تم تقيدهم وتم حصر الأمر بسلطة الأوقاف التي لديها وزارة ومجلس مركزي من مهمته وضع سياسات الأوقاف وسياسات الفتوى وسياسات التعامل مع الوقف السني، وهذه السياسات لا يتحكم بها مشايخ الأكثرية بل يتحكم فيها من جهة مجموعة من الطوائف بما فيهم الشيعة وإيران، ويتحكم بهم من وراء الكواليس المنظومة الأمنية.
السيطرة على “الشباب الديني”:
كما لفت الانتباه أيضًا، إلى حرص رأس النظام بشار الأسد على السيطرة على الشباب الديني، كونهم اكتشفوا أن الشباب وخلال هذه الثورة خرجوا عن سيطرة الجسم الديني، وبالتالي الجسم الديني التقليدي أثبت أنه غير قادر على مسك المجتمع، فقرروا تسليم الأوراق والخيوط لوزارة الأوقاف وهذا الفريق الديني الشبابي يصبح تابع للأوقاف وبالتالي هو من سيردم هذه الهوة ويسيطر على قطاعات الشباب، كونه قادر على التكلم بلغة العصر وليس بلغة “المشايخ”.
ويرى “الفقير” أن لدى إيران فرصة كبيرة للسيطرة على هذه المنظومة الدينية كلها، فهناك واجهة سنية لوزارة الأوقاف ولكن المتحكم هو المجلس الأعلى القادرة على السيطرة عليه، وبالتالي فإن الأمر هو عملية لإعادة ترتيب الجسم الديني السني وفق الهوى الإيراني، وأيضا التحكم بوزارة الأوقاف الدينية وهذا أمرٌ خطيرٌ جدًا كون وزارة الأوقاف اليوم لم تعد تمثل “الوقف السّني”.