تضاربت الأنباء والتسريبات حول كلمة وزير الدفاع السوري علي أيوب، الخميس، في مجلس الشعب، بخصوص إلغاء خدمة الاحتياط. وفي حين تجاهل الإعلام الرسمي الإشارة إلى هذه النقطة تماماً، حفل الإعلام البديل الموالي بأقوال متناقضة محسوبة على الوزير. وتشير مصادر “المدن” إلى أن النظام يفتعل هذا اللبس، بغرض إبقاء الأمور معلقة، وجس النبض، واختبار ردة فعل الشارع، تماماً كما حدث إبان تسريبات مرسوم صلاحيات وزارة الأوقاف.
بحسب بعض المواقع الموالية، لم ينف وزير الدفاع السوري علي أيوب، الأنباء عن تسريح الاحتياط في سوريا، ولم يؤكدها بشكل قطعي، مكتفياً بالقول: “ندرس إمكانية تسريح كافة دورات الاحتياط وعدم الاحتفاظ بأحد”، معللاً سبب “الدراسة” بوجود “توجيه” من الرئيس بشار الأسد بهذا الخصوص. ولم يحدد أيوب زمن الانتهاء من الدراسة، ولا متى سيُبتُ بالأمر، ولم يوضح إن كانت “الدراسة” ستشمل أيضاً قوائم الاحتياط التي أحالها الوزير إلى مرسوم العفو.
كلام وزير الدفاع، جاء أثناء كلمة ألقاها، الخميس، في جلسة مغلقة لمجلس الشعب، قدّم فيها شرحاً موجزاً للوضع العسكري العام في البلاد، وأجاب عن 64 تساؤلاً ومداخلة، بمعيار “دقيقة واحدة لكل نائب” بحسب البرلماني نبيل صالح. وكالة الأنباء الرسمية “سانا” لم تذكر أن الوزير قد تطرق لموضوع الخدمة الاحتياطية أبداً.
وبدأ النظام حملات التجنيد والتعبئة للخدمة الاحتياطية، في منتصف العام 2014، ما تسبب بتجنيد عشرات الآلاف، وهروب ما يقارب مليون شاب من دمشق وحدها في العام 2015، وفقاً لاحصائيات رسمية. والخدمة الاحتياطية تعني دعوة المُكلف الذي أتم خدمته الإلزامية وتم تسريحه منها أصولاً، بعد عامين للخدمة الاحتياطية. وإذا لم يلتحق مُباشرة، يُعتبر مُختلفاً متورياً عن الأنظار. ولم يُحدد النظام مُدة الاحتفاظ بمطلوبي الاحتياط، إذ لا زال البعض يخدم احتياطياً، منذ أربع سنوات.
وكانت وسائل إعلام النظام قد أعلنت مسبقاً عن حضور وزير الدفاع إلى مجلس الشعب، من دون أن تصف ذلك بـ”الاستجواب”، وتوقعت سلفاً أن يكون حضوره مرتبطاً بتوضيح الأنباء الرائجة في وسائل التواصل الاجتماعي عن تسريح دورات الاحتياط ورفع الفيش عن 800 ألف مطلوب للاحتياط.
وشاعت تلك الأنباء، الأسبوع الماضي، بشكل كبير في وسائل التواصل الاجتماعي، بعد انتشار فيديو لأحد ضباط النظام يعلن عن إلغاء الخدمة الاحتياط أثناء اجتماعه مع وجهاء من السويداء. وفي انعدام أي تأكيد رسمي لاحق، ظهر إعلان الضابط، كمحاولة لامتصاص النقمة وتخفيف الاحتقان العام هناك.
التناقض يبلغ ذروته، بقراءة ما نقلته مصادر موالية أخرى عن وزير الدفاع: “بمكرمة نبيلة، ومرسوم شجاع، بأمر القائد العام: اسقاط دعوة الاحتياط عن 800 الف مدعو للخدمة الاحتياطية، والدعوة لاحقاً حسب الحاجة، وحالياً لا توجد حاجة”.
ووسط تضارب الأنباء عن ماهية كلام أيوب الحقيقي، مصادر “المدن” قالت إن قرار إلغاء التكليف والعقوبة عن قرابة 800 ألف مطلوب للخدمة العسكرية الاحتياطية، يُعتبر نافذاً. وأضافت أن القرار لن ينشر بشكل منفصل، أو بمرسوم جمهوري خاص.
وقال مصدر عسكري في دمشق، لـ”المدن”، إن القرار “يخوّل المطلوب لدعوة الاحتياط، والمتواري عن الأنظار، العودة إلى حياته الطبيعية والتنقل في المُدن وعبر الحواجز من دون أي مُشكلة، بعد التحقق من شطب اسمه من قوائم المطلوبين، أو عبر تسليم نفسه لأقرب فرع أمني أو نقطة عسكرية تابعة للنظام، لتتم تسوية وضعه وإعطائه ورقة من شُعبة تجنيده تُثبت إلغاء تكليفه مؤقتاً، وإسقاط الدعوى والعقوبة عنه”.
مصدر في الإدارة العامة للهجرة والجوازات، قال لـ”المدن”، إن “قوائم يتم اعدادها منذ أيام لرفع الطلب الأمني عن آلاف المُتخلفين عن الخدمة الاحتياطية، على أن يتم رفعها تدريجياً من فيش الهجرة والجوازات وتعميمها على الحواجز الامنية والنقاط الحدودية”.
مصدر أمني مُطلع في “إدارة المخابرات العامة”، أكد لـ”المدن”، أن معظم المحافظات السورية “ستشهد في الأيام القليلة المقبلة حملات أمنية مُكثفة لتجنيد المطلوبين للخدمة الاحتياطية، قبل رفع أسمائهم، وذلك عبر تكثيف الدوريات المؤقتة والتشديد الأمني على الحواجز العسكرية”.
وأكد المصدر أن قوائم بأسماء 400 ألف مُتخلف عن الخدمة الإلزامية، ستعممُ قبل تشرين الثاني/نوفمبر على الحواجز العسكرية، وتضم الكثيرين ممن “سوّوا أوضاعهم” في مناطق التهجير القسري، وآلاف الطُلاب بعد إلغاء الدورة التكميلية بموجب قرار صدر عن وزارة التعليم العالي قبل مُدة.
وأشار المصدر إلى أن قرارات تسريح دورات الاحتفاظ، لن تصدر قبل تجنيد نصف عدد المطلوبين للخدمة الإلزامية، على الأقل، ومن المتوقع أن يتم ذلك مطلع العام 2019، عندما ينتهي تأجيل معظم المؤجلين، قبيل آذار/مارس.
وزير الدفاع قال في مجلس الشعب، بحسب التسريبات، إنه سيتم استدعاء الذين أُسقطت عنهم دعوة الاحتياط، لاحقاً، “حين يستدعي الأمر”. وهي جملة تحمل في طياتها أموراً يمكن أن تنعكس سلباً على المتخلفين عن الاحتياط، المتوارين عن الأنظار، الذين سيخرجون إلى الشوارع بعد القرار، ليبلغوا شُعب التجنيد بوجودهم داخل الأراضي السورية، خاصة أن نسبة معتبرة منهم ستتوجه للحصول على إذون سفر، بموجب القرار الصادر في بداية أيلول، والذي يُجبر المُكلف بين سن 17- 42 عام، على الحصول على إذن من شُعبة التجنيد للخروج من سوريا.
وهنا، يمكن أن يكون التضييق على المعفيين من الاحتياط بموجب القرار، بعدم السماح لهم بالخروج من البلد، وإجراء عمليات احصاء دقيقة للموجودين داخل سوريا ممن هم في سن الاحتياط. هذا عدا عن استقدام الآلاف من خارج سوريا، ممن فروا هرباً من التجنيد الاحتياطي، بعد اعطائهم تطمينات، وتنفيذ القرار بشكل جدي. ويمكن بعد ذلك أن تصدر قوائم جديدة تحت بند: “حين يستدعي الامر”، يتم بموجبه إعادة طلب الموجودين والمعفيين بموجب القرار مُجدداً، بعدما قاموا بتحديث بياناتهم لدى شُعب التجنيد ووضع عناوينهم الجديدة بشكل رسمي.
ونُقلَ عن مدير المكتب الإعلامي في مجلس الشعب ناجي عبيد، تأكيده على أن طلبات الاحتياط والعقوبات للمتخلفين عنها، سقطت عنهم، وشملوا في مرسوم العفو الرئاسي. وقال عبيد، إنه تواصل مع جهات رسمية عسكرية، لفهم ماهية عمل مرسوم العفو وتوضيح قضية إسقاط الدعوات الاحتياطية، موضحاً أن الجهات التي تواصل معها أبلغته عن تعامل بشكل مختلف بين المطلوبين للاحتياط والمطلوبين للخدمة الالزامية بشكل عام، “أي عفو يخص المطلوبين للخدمة الالزامية يسقط عنهم العقوبات، ولكنهم يبقون مطلوبين لخدمة العلم، بينما أي عفو يخص المطلوبين للخدمة الاحتياطية فهو يسقط عنهم كامل العقوبة، والدعوة الاحتياطية أيضاً”.
ومع هذا التناقض الكبير بين أقوال المصادر عن إنفاذ القرار، وبين ما تسرب من كلام وزير الدفاع عن مجرد “دراسة”، ساد شعور بالمرارة والإحباط في أوساط الموالين المترقبين. وعززت الاحباط تسريبات النواب المتناقضة. النائبة أميرة ستيفانو، قالت في “فيسبوك”: “إن مرسوم العفو شمل 800 ألف متخلف عن الخدمة الاحتياطية إلى حين يتم استدعاؤهم! ورافقه التحاق 8000 إلى الخدمة مما سيوفر فرصة تسريح لدورات الاحتياط”. ويفهم من كلامها رغم التباس الصياغة، أن الوزير لم يقدم شيئاً في موضوع رفع الفيش عن متخلفي الاحتياط، وأحال الأمر إلى مرسوم العفو السابق الذي اكتفى برفع عقوبة متخلفي الاحتياط في حال سلموا أنفسهم والتحقوا بالخدمة. الجزء الثاني من كلام ستيفانو، يشير بوضوح إلى أن التسريح لن يحدث، ما لم يتم تعويضه عددياً، مؤكدة ما نقل عن الوزير: “لو التحق الجميع بالخدمة الإلزامية لما كان هناك حاجة للاحتياط”.
ويمكن النظر إلى دوافع الإعلان عن “الدراسة” كرسالة امتصاص لغضب واحتقان يتنامى في الأوساط الموالية، التي استنزفها النظام ولم يقدم لها شيئاً، وبات ضرورياً أن يلوح لها بجزرة التسريح الكلي، وإن كان الأمر لا يتعدى تسريحاً محتملا لدورتي احتياط 103، و104 التي تجاوزت خدمتها سبع سنوات.
تسريح جميع دورات الاحتياط، وعدم الاحتفاظ بأحد، سيشكّلُ إعلانا سياسياً بانتهاء حروب النظام، وهو ما يتناقض مع خطاباته المتكررة في الذهاب إلى بسط السيطرة على كامل التراب السوري، كما يتناقض واقعياً مع مجريات الأمور التي تشهد توتراً متزايداً في منطقة “خفض التصعيد” في إدلب، إذ قال أيوب، الخميس، بحسب “سانا”: “إدلب لن تكون استثناء أبداً، وأننا سنحارب كل من يرفض المصالحة حتى تحرير كامل الأراضي السورية”، وأضاف بخصوص التواجد الأميركي: “وجود الجنود الأميركيين على أرضنا، غير شرعي وغير قانوني، ولم يعد لديهم أي ورقة يلعبون بها سوى ورقة قوات سوريا الديمقراطية”.