ارتفع عدد الأرامل بشكل كبير خلال الحرب السورية المستمرة منذ ثمانية أعوام، نتيجة مقتل عدد كبير من الأزواج، حيث وجدت المرأة السورية نفسها في مكان المعيل للأسرة، وفي أوضاع صعبة يسودها انعدام الأمن والاستقرار والذي رافقه شبه انعدام لفرص العمل، إضافة للعادات والتقاليد التي تحول دون خروج المرأة وبحثها عن عمل.
جهود حثيثة لإيجاد عمل
أرامل ريف إدلب لم يستسلمن لواقعهن المؤلم بل استطعن بإرادة قوية وعزيمة صلبة أن ينجحن بتحمل مسؤولياتهن، ومن أولئك النسوة كانت سارة العبدو البالغة من العمر (35عاماً)، والتي قُتل زوجها خلال المعارك الدائرة بين فصائل المعارضة وقوات النظام أواخر عام 2014 مخلفاً لها أربعة أبناء صغار، ولأنها لا تمتلك أي شهادة تؤهلها للعمل فقد انطلقت لتعلم مهنة الخياطة في مركز ” البلسم” في مدينة كفرنبل، الذي يقدم دورات مكثفة في هذا المجال ومجالات أخرى وهو ما جعلها تتقن المهنة خلال أشهر قليلة.
وشرحت “سارة العبدو” الفرق في حياتها قبل وبعد ممارستها لمهنة الخياطة، قائلة: إن “هواجس الفقر والعوز والذل في طلب العون كانت تحدق بي وبأفكاري بشكل متواصل، لم أكن لاستسلم لليأس لأنني على يقين بأنني إن لم أعمل فلن أجد من يعيلني ويعيل أبنائي، وهو ما جعلني أتقن المهنة بسرعة، الأمر الذي أحدث فرقاً إيجابياً بحياتي”، مضيفةً: أنها “عمدت إلى بيع ما تملكه من مصاغ ذهبية بغية تأمين متطلبات العمل من أقمشة وآلة خياطة، وهي اليوم تعيل نفسها وأبنائها من خلال الحرفة التي تعلمتها”.
وتعتبر طبيعة عمل “سارة” كونها تمارسه في المنزل أفضل من غيرها من وجهة نظر المجتمع الذي يرفض خروج المرأة وبحثها عن عمل، حيث واجهت روعة الحلاق (28عاماً) انتقادات من أهلها الذين حاولوا منعها من الخروج والبحث عن مصدر للرزق بدعوى أنها لا تزال شابة، ومن الممكن أن تتعرض لتحرشات ومضايقات أثناء عملها وهو ما لا يسمحون به، حيث قالت “روعة”، إنهم “لا ينفقون علي ولا على أبنائي، لذلك لم أتمكن الانصياع لأوامرهم كثيراً وقررت البحث عن عمل والتمرد على قرارهم، وفعلاً حصلت على فرصة عمل كمستخدمة في إحدى رياض الأطفال”.
وحول عملها أكدت “الحلاق”، أنه “لم يكن من السهل إقناع أهلي بالعمل، ووافقوا فقط حين علموا بأنني أعمل في مركز جميع كادره نسائي ولا يدخله الرجال”، مشيرةً إلى أنها “تحب عملها رغم مشقته كونه ساعدها على الاستقلال مادياً والإنفاق على أطفالها دون طلب المساعدة من أحد”.
نزوح ومسؤوليات كبيرة وغبن في الأجور:
شكل النزوح نتيجة الحرب عبء إضافي على المرأة الأرملة، كما أن زيادة عدد النساء الأرامل في ريف إدلب جعل الطلب على العمل كبيراً ما جعلهن عرضة للغبن في مسألة أجور النساء العاملات من خلال استغلال جهودهن بأبخس الأجور.
تعاني الأرملة الثلاثينية “حنان الحسين” عقب نزوحها إلى ريف إدلب الشمالي من مصاريف العائلة التي باتت مرهقة وثقيلة، فهي بحاجة لدفع أجرة المنزل وتأمين الماء والكهرباء عدا عن الأغذية والألبسة والدواء، ولذا فهي لم تتوانى عن الالتحاق بأي عمل حتى لو كان شاقاً وبأجرة زهيدة، فكان أن بادرت بالتسجيل على وظيفة عن طريق المجالس المحلية، وكانت إحدى المستفيدات للعمل بمشروع نسائي يتبع لمنظمة “إحسان” للإغاثة والتنمية.
وأوضحت خلال حديثها مع SY24، “أخرج من الساعة التاسعة صباحاً حتى الثالثة عصراً، ويتركز عملي بصناعة الألبان والأجبان مع مجموعة من النسوة الأرامل مقابل راتب شهري يقدر بـ 25 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 50 دولار أمريكي فقط لا غير”، مشيرةً إلى أن “الراتب لا يكفي لنصف النفقات ولكنه أفضل بكثير من لا شيء”.
لم يكن الحصول على عمل هو كل ما يؤرق المرأة الأرملة في ريف إدلب، وإنما واجهت أيضاً تحديات كبيرة في تربية أبنائها، فالصعوبات التي أنتجتها الحرب وتداعياتها أثرت وبشكل مباشر في آداء المرأة حتى في أدوارها التقليدية، فقد ترك غياب الزوج عن المنزل صعوبة مضاعفة على المرأة كونه يعتبر رمز السلطة داخل المنزل، وبات عليها أن تتخذ القرارات الهامة والمصيرية في حياة عائلتها وسط الظروف المضطربة التي تعيشها دون وجود من يساندها، وهو ما أفضى في نهاية الأمر لتراكم الضغوط النفسية عليها.
المرشدة النفسية “فاتن السويد”، قالت لـ SY24، إن “وضع الأرامل بتن يواجهن ضغوطات متعددة، إبتداءً من عمل المرأة خارج المنزل مروراً إلى المعوقات الاجتماعية المختلفة من عادات وتقاليد تمنع الأرملة من الخروج وترقب تحركاتها، ووصولاً إلى تركيبة المرأة الخاصة التي لم تعتد سوى أن تكون ربة منزل فقط”، موضحة بأن “الأرملة لا تزال تشعر بالارتباك والقلق وأحياناً الخجل وتأنيب الضمير لكونها تعمل خارج المنزل تاركة أطفالها لوحدهم لفترات طويلة”.
وأكدت “السويد”، أن “الدور الذي أنيط بالأرامل كربة منزل ومعيلة ومربية في آن واحد ليس بالأمر السهل عليها، ومع ذلك أنا معجبة بالمرأة السورية التي واجهت وما تزال تواجه كل ظروفها الصعبة بقوة وعزيمة وإرادة ، فهي أظهرت وبشكل لافت صلابة من خلال تأقلمها مع الوحدة والنزوح والفقر وأثبتت نجاحها مرات عديدة من خلال تحسين أحوالها وأحوال أبنائها وحمايتهم، فكانت الأم والأب والمربية والمعيلة”.
[foogallery id=”26798″]