تطورات متلاحقة يشهدها ملف منطقة إدلب عنوانها الأبرز محاولة النظام السوري وداعميه “نسف” اتفاق سوتشي، الذي تم بين تركيا وروسيا في السابع عشر من أيلول الماضي.
وتتمثل تلك المحاولات من خلال استمرار التصعيد على قرى وبلدات في ريف إدلب تعتبر ضمن المنطقة منزوعة السلاح وتحديدًا الريف الجنوبي من المحافظة، الأمر الذي يعتبر خرقًا واضحًا لهذا الاتفاق من قبل نظام الأسد ومن خلفه إيران.
وتتزامن تلك التطورات مع أنباء تتحدث عن استقدام قوات النظام تعزيزات عسكرية كبيرة إلى محيط إدلب، ما دفع بالجبهة الوطنية للتحرير للإعلان وفي بيان لها، الثلاثاء، تحسبًا لأي عمل عسكري من تلك القوات.
وقال الناطق الرسمي باسم الجبهة الوطنية ” ناجي المصطفى” في بيان، إنه تم التأكيد على جميع مكونات الفصيل العسكري برفع الجاهزية على خطوط جبهات قوات النظام، بعد ورود معلومات عن استقدام حشود إلى المنطقة، محذرًا من استغلال النظام للأحوال الجوية وقيام ميليشياته بأية عمليات تسلل في المنطقة”.
ويثير استمرار محاولات النظام ومن خلفه إيران خرق اتفاق “سوتشي” والمنطقة منزوعة السلاح الكثير من التساؤلات، خاصةً فيما يخص الأهداف التي يرمي إليها من خلال قصف ريف إدلب الجنوبي.
اتفاق مرفوض من قبل الأسد وإيران
الدكتور “يحيى العريضي” المتحدث الرسمي باسم وفد الهيئة العليا للمفاوضات السورية قال: إن اتفاق إدلب مرفوض من قبل النظام، ومنذ جولات أستانة السابقة إن كانت الخامسة أو السادسة وعندما كنا نصل إلى إدلب كمنطقة خفض تصعيد فإن النظام يجن جنونه وخاصة أن أيران وراء هذا الجنون فهم لا يريدون هذا الاتفاق، إلا أن هذا الاتفاق تم في سوتشي بين تركيا وروسيا متجاوزين إيران مما زاد الطين بلة، لذا فإن النظام يريد وبأي طريقة نسف الاتفاق.
وأضاف “العريضي” في تصريح خاص لسوريا 24: إنه تم تطبيق نزع السلاح الثقيل بمناطق حول إدلب وبقيت تلك المناطق البعيدة قليلاً ومنها جرجناز، وجنوب حماة وغيرها من المناطق الأخرى، إلا أنه وفي ظل وجود قوات للنظام في تلك المناطق فهي تبقى مستهدفة باستمرار والغاية نسف الاتفاق ونسف العملية السياسية، كما يهدف النظام إلى اشغال روسيا وعدم جعلها تتجه باتجاه إنجاز أي اتفاق، وكل هذه الأمور عمليا هي أسباب داعية لاستمراره بهذه الأعمال الإجرامية، واستهداف مواطنين سوريين آمنين هناك.
وعود بالضغط على روسيا
وشاركت هيئة التفاوض السورية في اجتماعات دول ” المجموعة المصغرة” التي بدأت في 3 من الشهر الحالي، في العاصمة الأمريكية “واشنطن” واستمرت لمدة يومين، كانت مخصصة لمناقشة الملف السوري، بحسب ما نشرته المعرفات الرسمية الخاصة بالهيئة العليا للمفاوضات على الانترنت.
وقدم وفد الهيئة برئاسة “نصر الحريري” إحاطة شاملة حول كل القضايا المتعلقة بالشأن السوري، وتم التركيز في الإحاطة على فضح الأعمال التخريبية والإجرامية التي تقوم بها الميليشيات الإيرانية أو المدعومة من قبلها في سورية، وتكرار خروقات النظام في الشمال السوري وفي مختلف مناطق المصالحات؛ مقابل التزام الفصائل باتفاق إدلب والحرص على استمراره وحماية المدنيين الموجودين في هذه المنطقة.
من جانبهم عبر أعضاء “المجموعة المصغرة” عن تفهمهم لحيثيات ما جاء في إحاطة رئيس الهيئة، وتوافقهم مع رؤية الهيئة بشكل عام، مؤكدين حرصهم في المستقبل القريب على إخراج الحل السياسي إلى النور ووقف معاناة الشعب السوري.
وفي هذا الصدد قال “العريضي” لسوريا 24: إنه ورد في الإحاطة التي تمت في واشنطن بحضور الهيئة لاجتماع المجموعة المصغرة “أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والسعودية والأردن ومصر” أمثلة لما يقوم به النظام وإيران من خروقات تجاه تلك الاتفاقات وهناك وعود بالضغط على الروس لكي يراعي النظام هذه الاتفاقات.
استمرار الخروقات يعيق الاتفاق
وفي سياق الأحداث في منطقة إدلب، نقلت عدة مصادر إعلامية أخبارًا تتعلق باجتماع ضم وفدًا من بلدة “جرجناز” بينهم أعضاء المجلس المحلي مع مسؤولين وضباط أتراك في نقطة المراقبة التركية المتمركزة في بلدة “الصرمان” الواقعة في الريف الشرقي لإدلب، بهدف مناقشة الخروقات التي تقوم بها قوات النظام.
وقال أحد الضباط لوفد البلدة: إن نظام الأسد والإيرانيين غير مهتمين وغير راضين عن اتفاق “سوتشي”، ويتذرعون في كل مرة بوجود خروقات من قبل الفصائل من أجل إفشاله، لافتاً إلى أن القيادة التركية لا تعارض قيام الفصائل بعمليات موجعة ومدروسة على مواقع النظام لردعه عن قصف المدنيين، بحسب ذات المصادر.
وفي ذات السياق قال الكاتب والمحلل السياسي “أحمد مظهر سعدو”: إن قوات النظام السوري، والميليشيات الطائفية والإيرانية، تواصل إحداث خروقات بين الفينة والأخرى في اتفاق سوتشي، عبر انقضاضها على المدنيين في إدلب، وهي بذلك تحاول تعويق الاستمرار بتنفيذ هذا الاتفاق الذي ضمن عدم وقوع الحرب الهمجية الاسدية المدمرة في إدلب والتي تضم ما يزيد عن 3 ملايين مدني سوري.
وأضاف لسوريا 24: لقد عملت ميليشيا النظام ومنذ بداية الاتفاق على إعاقة تنفيذه من خلال عدة خروقات وعدة افتراءات، ومنها مسألة الكيماوي المُدَّعاة على حلب من قبل المعارضة، في وقت فضحت فيه الإدارة الأميركية هذا الادعاء وأكدت تقنيًا كذبه، وعدم دقته وأن من قام به هو ميليشيا النظام وليس سواهم.
ويرى ” مظهر سعدو” أن الإيرانيين الذين يقودون “بشار الأسد” إلى مسارات عُنفية، يدركون أن المجتمع الدولي برمته بات مؤيدًا لاتفاق سوتشي وأن لا قدرة لأحد على إيقافه، ولعل طرفي الاتفاق الروسي والتركي يدركون ذلك، حيث يعمل الجانب التركي على الاستمرار في تطبيقه، رغم الصعوبات الكبيرة التي يعانيها من النظام تارة ومن الإيرانيين تارة أخرى، ومن الروس في بعض الأحيان، وكذلك من بعض المتشددين من فصائل صغيرة لا يبدو أنها ستنفذ بنوده، منها حراس الدين وسواها من المتشددين، إلا أن الاتفاق سوف يمر ويتابع مسيره، رغم كل المعوقات، ولا يوجد أي حل بديل سواه في المنظور القريب.
ولفت ” مظهر سعدو” الانتباه، إلى أن النظام السوري الذي يستهدف “جرجناز” وغيرها بين الفينة والأخرى، إنما يحاول الاتكاء على ما يقال هنا وهناك من أن (الإرهابيين) مازالوا نشطين، ولن يطبقوا الاتفاق، وأن الحل الاستئصالي هو الناجع. ويبقى القول هنا أن المسؤولية الكبرى تقع على الضامن الروسي الذي يمتلك وحده إمكانية لجم النظام السوري ومن معه من ميليشيات طائفية، وعليه تطبيق الاتفاق ومنع النظام من أي هجوم أو اعتداء، ولا يكتفي بالمراقبة فقط، بينما الجانب التركي يفعل كل ما بوسعه لإنجاز التطبيق الفعلي للاتفاق في مواعيده المنصوص عليها ضمنًا.
مراوغة ومحاولات لكسب الوقت
وكان الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة أكد في بيان له أن “النظام والميليشيات الإيرانية منهمكة بتقويض اتفاق إدلب وارتكاب المجازر بحثاً عن مبررات لتعطيل الحل السياسي”، ولفت إلى أن هذا الحلف وداعميه سيستمرون في التلاعب ببوصلة الحل كلما سنحت الفرص.
وقال السياسي المعارض الدكتور “زكريا ملاحفجي” لسوريا 24: إن النظام والروس غير جادين بالمطلق بأي اتفاقيات، فهم يدخلون للاتفاقات من أجل المراوغة وكسب الوقت وتهدئة جبهات، وهناك سعي حثيث من النظام لمحاولة السيطرة على إدلب والتي هي أهم بالنسبة له من أي منطقة ثانية وخاصة شرق نهر الفرات.
وأضاف، أن إدلب تحوي تجمع ثوري معارض وهو مهم جدًا، كون مسار المعارضة التفاوضي والسياسي والعسكري جذوره هذا التجمع الكبير الموجود في إدلب، لذلك فإن النظام يحاول السيطرة وإعلان الانتصار، ولكنه لن يستطيع ولن يسمح له بذلك، فلا التوجه الدولي سواء الأمريكي أو الأوروبي أو القوى الإقليمية العربية والتركية، وخاصةً أن الطرف التركي بات له وجود عسكري فهو أيضًا لن يسمح للنظام والروس بذلك كون الطرف التركي سيكون متضررًا بشكل كبير جراء سيطرة نظام الأسد وداعميه على منطقة إدلب.
وذكر “ملاحفجي” أن ريف حلب الجنوبي كان مهمًا أيضًا بالنسبة للنظام، وقد خاض فيه معارك عنيفة وسيطر على بعض قراه، وهو الآن يحاول السيطرة على “ريف إدلب الجنوبي” لفرض سيطرته على الطرق الاستراتيجية التي تربط ما بين بعض المدن.