فصل جديد من فصول المعاناة الإنسانية على موعد معه قاطنو مخيم “الركبان” الواقع على الحدود السورية الأردنية، عنوانه الأبرز “برد الشتاء” الذي يحُل ضيفًا ثقيلًا في كل عام على ما يقارب من 60 ألف نازح في المخيم.
ويتمثل حجم المأساة بشكل واضح في ظل غياب مواد التدفئة كالمحروقات والملابس الشتوية والمدافئ، يضاف إلى ذلك غلاء أسعارها إن توافرت، والتي تصل لمستويات تفوق قدرة النازحين على شرائها.
ولا يقتصر الأمر في مخيم الركبان بالنسبة لمعاناة قاطنيه على البرد فقط، إنما يتزامن ذلك مع ازياد المخاوف من ارتفاع وتيرة حالات الوفيات وخاصة بين الأطفال بسبب “البرد” وبسبب سوء التغذية كون غالبية سكان المخيم من الطبقة الفقيرة التي لا تملك قوت يومها.
ونقلت عدد من المصادر الأهلية والإنسانية القاطنة في المخيم لموقع سوريا 24، واقع الحال بالنسبة لأسعار المحروقات ومواد التدفئة وغيرها من المواد الأساسية الأخرى، وسط الأصوات التي تتعالى مطالبة المنظمات بضرورة التحرك ومدّ يد العون.
الحصار وتجار الحروب وراء رفع أسعار مواد التدفئة
وتعمد نظام الأسد خلال الآونة الأخيرة من الشهر الماضي، إلى قطع كافة الطرق المؤدية إلى مخيم الركبان في سياسة منه لزيادة الضغوط على قاطنيه واجبارهم على القبول بشروط المصالحة التي سيفرضها عليهم وبالتالي بسط سيطرته على المخيم.
واستغل من يطلق عليهم اسم “تجار الأزمات والحروب” حالة قطع الطرقات باتجاه المخيم من قبل النظام فلجأوا إلى رفع أسعار كثير من المواد وأهمها المحروقات مع حلول الشتاء، اضافة لعدد من المواد الأساسية الأخرى واحتكار بعضها، ما زاد من حجم المعاناة.
الناشط الإنساني” أبو خضير” زود موقع سوريا 24 بلمحة عن أسعار المحروقات وقال: إن ليتر الكاز يباع بحدود 450 ليرة سورية، ولتر المازوت 400 ليرة تقريبًا، في حين يباع لتر البنزين بسعر 500 ليرة سورية، ويصل سعر اسطوانة الغاز المنزلي إلى 9000 ليرة سورية، ويباع طن الحطب بسعر 80 ألف ليرة سورية.
وافت “أبو خضير” إلى أن هذه الأسعار ترتفع وتنخفض حسب توافرها وقدرة المهربين على ادخالها بكميات تكفي لكل سكان المخيم.
وعن أسعار المدافئ قال “أبو خضير”: إن سعر المدفأة الكبيرة 14000 ليرة سورية، وهناك مدافئ نوعيتها سيئة تباع بسعر 4000 ليرة سورية، في حين يباع “بوري المدفأة” بسعر 750 ليرة سورية للقطعة الواحدة منه.
وبيّن المصدر ذاته أن غالبية قاطني المخيم ليس بمقدورهم أن يشتروا مواد التدفئة وقال: 90% من أهالي المخيم لا يستطيعون شراء الخبز فكيف لهم أن يشتروا مادة المازوت؟ أضف إلى ذلك أن سعر ربطة الخبز يصل إلى 250 ليرة سورية بوزن 700 غرام وهي لا تكفي شخص واحد.
وفي ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة، نقل “أبو خضير” مطالب قاطني المخيم وأهمها: “فتح طريق باتجاه الشمال السوري، أو إدراج المخيم على لائحة الأمم المتحدة للاجئين”.
مخاوف من انتشار أمراض الشتاء
ويعيش قاطنو مخيم “الركبان” ظروفًا إنسانيةً كارثية تفتقر لأبسط مقومات الحياة، في ظل نقص حاد في المواد الغذائية وإمدادات المياه وانعدام الرعاية الطبية، وحرمان آلاف الأطفال من حقهم في التعليم، مما يفاقم من معاناة المهجرين ومأساتهم الانسانية، بحسب ما تحدثت به عدة مصادر اغاثية وتعليمية وطبية من داخل المخيم ومن خارجه.
“أبو أكرم” مدير مدرسة جسور الركبان العامل ضمن المخيم، أعرب عن مخاوفه من كارثة انسانية وطبية تهدد أطفال المخيم بسبب البرد وانعدام مواد التدفئة وقال: نتخوف من انتشار الأمراض في فصل الشتاء وخاصة نزلات البرد، وسط عدم قدرة الناس على شراء الأدوية وهنا الكارثة الكبرى، كوننا سنكون أمام مصيبة أخرى هي الأمراض ومضاعفاتها بسبب الفقر والبرد.
وأضاف، أنه من المعروف أن برد منطقة الركبان قارصٌ جدًا، عداك عن أن نسبة كبيرة من الأهالي لا تملك مدافئ وليس بمقدورها شراء المحروقات، ومن لديه مدفأة قديمة فإنه يعتمد على ما يتم جمعه من القمامة كأكياس النايلون وقطع البلاستيك من أجل حرقها والتدفئة عليها.
ولدى سؤاله عن أسعار المدافئ في المخيم أجاب أبو أكرم”: إن سعر المدفأة يبدأ من 10 ألاف ليرة سورية حتى يصل إلى حدود 15000 ليرة سورية إن كانت تعمل على المازوت أو على الحطب.
ونقل “أبو أكرم” أسعار عدد من المواد الأساسية مبينًا أن ارتفاعها مرتبط بطرق التهريب وقال: إن كافة أنواع الخضار يتراوح سعر الكلغ الواحد منها ما بين 400 إلى 500 ليرة سورية، وسعر كلغ السكر 400 ليرة، وكلغ الأرز من النوعية السيئة 250 ليرة، والبرغل 400 ليرة، والطحين 300 ليرة، في حين يباع لتر الزيت الواحد بسعر 800 ليرة سورية.
90% من سكان المخيم لا يملكون ثمن مدفأة
وشهد مخيم “الركبان”، الشهر الماضي، دخول قافلة مساعدات أممية، سبقها موجة من وقفات الاحتجاج والاعتصام نفذها قاطنوا المخيم تنديدًا بالواقع الإنساني المتردي.
وعلى الرغم من المساعدات الاغاثية التي تدخل إلا أنها دائما يتم وصفها بأنها مساعدات “خجولة” كونها لا تلبي احتياجات العدد الكبير من النازحين القاطنين في المخيم، على أما أن يكون هناك دفعة جديدة من المسعدات ستدخل المخيم منتصف الشهر الحالي، بحسب ما تحدثت به مصادر من المخيم لـ SY24.
وفي هذا الصدد قال “محمود قاسم” مسؤول المكتب الاغاثي في الإدارة المدنية التابعة للمخيم: هناك وعود من أنه سيتم إدخال مساعدات أممية في 15 من هذا الشهر الجاري، ومن المحتمل أن تحتوي على مواد للتدفئة وملابس شتوية، إلا أننا مللنا من كثرة الوعود التي لا يتم تنفيذها على أرض الواقع.
وأشار إلى أن 90% من قاطني المخيم ليس بمقدورهم شراء مدفأة أو مواد للتدفئة عليها، في حين يعتمدون على “البطانيات” التي يلتحفون بها لدرء البرد، لافتًا إلى أن سعر لتر المازوت إن وجد يصل إلى 500 ليرة سورية، وكلغ الحطب 125 ليرة سورية، في حين يصل سعر المدفأة الصغيرة إلى حدود 12000 ليرة ومن الممكن أن يصل سعرها إلى 24000 ليرة سورية في كثير من الأحيان.
وحذّر “قاسم” من خطورة الوضع الانساني خاصة في فصل البرد وقال: إذا استمر الوضع على ما هو عليه فإن أوضاع الإنسانية من سيئ إلى أسوأ، وهناك مخاوف من تزايد الوفيات جراء البرد وسوء التغذية وخاصة بين الأطفال.
الجدير ذكره، أن مخيم “الركبان” تم انشاؤه في نهاية عام 2014، في المثلث الحدودي الصحراوي” السوري – العراقي-الأردني” للفارين من جحيم الحرب وويلاتها، وجرائم نظام الأسد وميليشياته المدعومة من إيران وحزب الله، والفارين أيضًا من تنظيم داعش الارهابي.