تفيد الأنباء الواردة من مناطق “درعا وريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية”، عن استمرار حملات الاعتقالات التي تشنها قوات أمن نظام السوري بحق من تمت تسوية أوضاعهم، في خرق واضح لكل الاتفاقيات التي تمت ما بين الروس وفصائل المعارضة في تلك المناطق.
وتتزامن تلك الانتهاكات مع ترويج ماكينات النظام الإعلامية للمهجّرين والنازحين واللاجئين بضرورة العودة إلى مدنهم وبلداتهم، كون الأمور باتت مستقرة وهادئة بعد أن تم طرد المسلحين على حد زعمهم، إلا أن حقيقة الأمر على أرض الواقع تشي بعكس ذلك، وأن ما يتم الترويج له مجرد عملية احتيال لأقناع الشباب بالعودة من أجل اعتقالهم والزج بهم في صفوف جيش النظام وسوقهم إلى جبهات القتال في دير الزور وإلى الشمال السوري.
في حين تتحدث مصادر حقوقية وإنسانية، عن أن استمرار تلك الانتهاكات بحق السكان في مناطق المصالحات وغيرها من المناطق الأخرى، تثير قلق دول الاتحاد الأوروبي التي تؤوي ألاف اللاجئين الفارين من بطش النظام، كون تلك الممارسات من قبل أفرع النظام الأمنية وأجهزته القمعية تشكل حاجزا أمام عودة اللاجئين إلى ديارهم.
اعتقالات يومية في درعا وريفها:
وعلى الرغم من مرور ما يقارب 5 أشهر على استعادة النظام السوري سيطرته على مدن وبلدات درعا والقنيطرة جنوب سوريا بموجب اتفاق تم ما بين فصائل المعارضة وروسيا، إلا أن النظام ما يزال مستمرًا في حملات الاعتقال بشكل شبه يومي، بحق شباب تلك المنطقة، الأمر الذي أرجعه كثيرون إلى أن النظام يريد تصفية حساباته مع المدن والبلدات الثائرة من خلال الاعتقالات وتفريغ المنطقة من الشبان.
“أبو محمود الحوراني” عضو “تجمع أحرار حوران” قال لسوريا 24: إنه ومنذ بداية سقوط الجنوب بيد النظام وروسيا وبدء موضوع التسويات وحتى يومنا هذا، وثقنا بشكل رسمي اعتقال أكثر من 600 شاب غالبيتهم يحمل بطاقة تسوية من بينهم خمس نساء.
وأضاف، أن “من يتم اعتقالهم يتم سوقهم إلى فرع الأمن الجنائي في مدينة درعا أو مدينة الصنمين أو إلى فرع الأمن الجنائي في دمشق، كما أن أفرع الأمن السياسي والعسكري والجوي تقوم باعتقال المدنيين”.
ولفت إلى أن كثير من الشباب يحاولون الفرار هرباً من الاعتقال، وقال: وثقنا اعتقال نحو 16 شاب حاولوا الفرار من منطقة “الحارّة” هربًا من الخدمة الإلزامية والاحتياطية، إلا أنهم تعرضوا للاعتقال في منطقة مصياف بريف حماة على يد قوات النظام.
وعن ردة فعل الأهالي إزاء تلك الحملات والخروقات المستمرة من قبل نظام الأسد قال “الحوراني”: إن “الأهالي ليس بمقدورهم فعل أي شيء، ولكن كان هناك وقفات احتجاجية منددة بحملات الاعتقال في بصرى الشام ودرعا البلد، إلا أن ذلك لم يردع النظام، يضاف إلى ذلك ظهور حركة المقاومة الشعبية التي تقوم بعمليات نوعية ضد قوات النظام كان آخرها مقتل 15عنصر للنظام بينهم ضباط كرد فعل على تلك الاعتقالات، إلا أنها لم تردع النظام عن الاستمرار بحملات الاعتقالات”.
ويرى “الحوراني” أن “النظام يريد التخلص من الشباب من عمر 18 وحتى عمر 50 عاماً، وسيتم اعتقال هذه الفئة من الشباب ليتم سوقهم للخدمة الإلزامية والاحتياطية، ومن لا يتم سوقه سيتم اتهامه بتهم ودعاوى كيدية من قبل أتباع النظام، وكل ذلك بهدف تفريغ الجنوب السوري من الشباب”، واصفًا الأمر بأنه “خطير جدً”ا.
30 ألف مذكرة تبليغ للاحتياط والخدمة الإلزامية:
وبحسب مصادر محلية وناشطين من منطقة درعا، فإن قوات أمن النظام لم تفرج إلا عن 10% ممن تم اعتقالهم منذ بداية التسويات والمصالحات، في حين أن حملة الاعتقالات تتركز في منطقة “حوض اليرموك” غربيّ درعا، والتي كانت خاضعة سابقا لسيطرة داعش، إضافة لمختلف قرى وبلدات درعا.
وكشف الصحفي السوري “سمير السعدي” في حديثه لسوريا 24 عن إصدار النظام نحو 30 ألف مذكرة تتعلق بالاحتياط والخدمة الإلزامية، لافتًا إلى التحاق نحو 7000 شاب بصفوف قوات النظام في حين رفض أبناء عدد من القرى استلام التباليغ أو الالتحاق بقوات النظام كسكان بلدة “نصيب” بريف درعا على سبيل المثال، حيث يحاول شبان تلك البلدة التواري عن الأنظار وعدم المرور من مكان انتشار حواجز النظام قدر الإمكان.
وبيّن “السعدي” أن الأهالي سارعوا للتواصل مع الضامن الروسي بخصوص هذه الخروقات لكن من دون أي نتائج تذكر، وأضاف أن النظام يحاول الانتقام بشكل بطيء من أهالي درعا من خلال اعتقال الشباب وجعلهم وقودًا لمعاركه في جبهات ريف حماة وريف ادلب وريف اللاذقية.
وعود كاذبة من الروس والنظام في ريف حمص الشمالي:
ولا يختلف الحال بالنسبة لمنطقة ريف حمص الشمالي والتي شهدت بدورها مصالحات وتسويات مع نظام الأسد عقب اتفاق روسيا مع فصائل المعارضة وبناء عليه تم تهجير أعداد كبيرة من العائلات لا ترغب بوجود النظام، في حين بقي قسم منهم في تلك المنطقة بعد وعود من نظام الأسد بأنه ستتم تسوية أوضاع عدد من الشبان والموظفين والعسكريين المنشقين وطلاب الجامعات.
وذكرت مصادر محلية من المنطقة عن عدم التزام النظام بوعوده خاصة فيما يخص شن حملات الاعتقال وارتكاب الانتهاكات بحق المدنيين.
الناشط الإعلامي “يعرب الدالي” وهو أحد المهجرين من ريف حمص الشمالي باتجاه الشمال السوري قال: إن “الواقع في ريف حمص سيئ، وحتى الأن البنية التحتية من مدارس وأفران ومرافق عامة مدمرة ولم يتم إصلاحها، بالإضافة إلى حالة قلق من الاعتقال بحجج جنائية ومن ثم تحويل الشخص إلى الأفرع السياسية أو دفع فديات مالية كبيرة”.
وأكد “الدالي” أنه لا يوجد احصائيات دقيقة عن عدد من تم اعتقالهم منذ سيطرة النظام على قرى وبلدات ريف حمص الشمالي قبل 7 أشهر تقريبًا، مبينًا أن من يتم اعتقاله يتم سوقه إلى التجنيد الإجباري والزج به على جبهات “السويداء، وأرياف حماة وإدلب، واللاذقية”.
ولفت إلى أن الأهالي حاولوا أن يشتكوا لدى الطرف الروسي، إلا أن الأمر اقتصر على مجرد الوعود وحينما احتد الأهالي جراء ذلك قال لهم الطرف الروسي بكل صراحة:” ان الدولة غير قادرة حتى على إزالة الركام ولا تتوقعوا شيء من الدولة، ويجب على السكان أن تساعد بإعادة الإعمار”، ودعوهم لحملة نظافة تطوعية وإزالة الركام إلا أنها لم تلق أي استجابة من الأهالي.
ودفعت تلك الظروف، بحسب “الدالي” قسم كبير من الشباب للفرار باتجاه لبنان عن طريق التهريب بعد دفع مبالغ مالية تصل إلى حدود 700 يورو للشخص الواحد، في حين اضطر قسم آخر منهم للبقاء في شماليّ حمص والتطوع لدى صفوف قوات النظام كون هناك ظروف قاهرة منعته من الخروج باتجاه ادلب وحلب في الشمال السوري.
الخدمة الاحتياطية تنتظر شباب الغوطة مع بداية العام المقبل:
وكانت مدن وبلدات الغوطة الشرقية بريف دمشق شهدت هي الأخرى تسويات ومصالحات رافقها انتهاكات من قبل قوات أمن النظام.
وكشف الناشط الإعلامي “سراج الشامي” لسوريا 24، عن حملة دعوات وتبليغات للشبان للالتحاق بالخدمة الاحتياطية وذلك مع بداية العام المقبل 2019 تستهدف الشبان من مواليد 1986.
وأشار، إلى أن كثير من الشباب يحاولون الفرار باتجاه الشمال السوري، مبينًا أن الشاب يدفع مبلغ مالي يصل إلى 2500 دولار للمهربين مقابل الوصول باتجاه أرياف حلب الشرقية.
فيما رأى “أبو أحمد الغوطاني” أحد المهجرين من الغوطة الشرقية باتجاه الشمال السوري، أن ما يجري هو عملية احتيال واضحة وإعلامية بحتة ليظهر النظام نفسه أمام المجتمعات وكأنه رجل لطيف ومتعاون، وأنه يخشى على الشباب وعلى شعبه الموجود خارج الأراضي السورية.
وأضاف، نسمع دائما بأن النظام يطالب العائلات والشباب بالعودة لحضن النظام ولمدنهم وبلداتهم، ولكنها دعوات مبنية على أساس الكذب والنفاق، وأحد أهم المطالب التي كان آخرها موضوع دفع البدل في القنصليات خارج سوريا والعودة لسوريا، ولكن بعض من عاد تم اعتقاله، وبعضهم غير معروف مصيره، لافتًا إلى عدم وجود إحصاءات عن عدد المعتقلين بسبب صعوبة التوثيق.
الاتحاد الأوروبي يدق ناقوس الخطر:
وقال رئيس تحرير “مجلة سنابل الثورة” مفضلًا عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية: إن نظام الأسد يحاول اعتقال أكبر عدد من الشبان في سوريا وزجهم في جيشه، حيث أفادت مصادر إعلامية من داخل النظام أنه أصدر لائحة تتضمن أسماء مطلوبين احتياط للخدمة في جيشهم، بلغ تعدادهم حوالي 350 ألف مطلوب، معظمهم في الشمال المحرر وتركيا ودول أخرى، يبدو أن النظام يقوم بإجراء استباقي لخروج الميليشيات الشيعية من سوريا فيحاول توفير البديل من خلال المصالحين.
وأضاف، أنه “بالنسبة للشبان فإن النسبة العظمى منهم يرضخون للأمر الواقع مبدئيا، مرجحًا في الوقت ذاته أن تعود ظاهرة الانشقاق إلى ميليشيا النظام كما كانت بداية الثورة”.
في حين، قال المستشار الحقوقي “محمد كاظم هنداوي” مسؤول الهجرة واللجوء في أوروبا في “المنظمة العربية لحقوق الإنسان” لسوريا 24: إن لديهم في المنظمة عدة تقارير وشهادات تتحدث عن اعتقالات باشر النظام والروس بها بعد المصالحات التي تمت مؤخرًا، كما تم تسجيل اختفاء بعض الشخصيات ممن كانت تسوق لنفسها بأنها مع الجيش الحر كضباط أو كصف ضباط أو قادات سلموا أسلحتهم وكانوا المستهدفين رقم واحد للروس.
وأضاف، أنهم أصدروا تقريرًا تحدث عن انتهاكات تحصل بحق من يعود، من ناحية الاختفاء القسري وعمليات الابتزاز من جهاز أمن النظام التي تقوم بعمليات تحقيق دورية و ابتزازات أخلاقية ومادية وخاصة للعائدين من أوروبا، ما دق ناقوس الخطر في الاتحاد الأوروبي بأن النظام يستهدفهم المدنيين ما يمنعهم من العودة.
وناشد “الهنداوي” اللاجئين والنازحين بعدم العودة إلى ما وصفه بجحيم النظام، مؤكدًا أن “النظام لا يريد عودة اللاجئين نهائيا خدمة للإيرانيين الساعين للتغيير الديمغرافي في سوريا”.
حصيلة الاعتقالات تجاوزت 60% في مناطق المصالحات:
وسجلت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” تكرار حوادث الاعتقال والدهم في المناطق التي أجريت فيها المصالحات، إما بدافع اقتياد أبناء المنطقة للتجنيد أو بدافع الانتقام من الأشخاص الذين كانوا قد انخرطوا سابقا في الحراك الشعبي، وملاحقتهم أمنيا واعتقالهم.
وقالت “نور الخطيب” مديرة قسم المعتقلين في الشبكة السورية لحقوق الإنسان: سجلنا منذ شهر أيلول الماضي وحتى الأن ارتفاعا غير مسبوق في حصيلة الاعتقالات للأشخاص الذين كانوا قد أجروا تسويات أمنية تجاوزت الـ 60% من حصيلة الاعتقالات لدى النظام السوري، بعض حوادث الاعتقال استهدفت أعضاء في لجان المصالحة، تركزت في محافظات دمشق وريف دمشق وحمص وحماة ودرعا.
وأضافت في تصريح لسوريا 24، أنه على الرغم من أن معظم الاتفاقيات التي انتهت بسيطرة النظام السوري على المناطق التي أجرى فيها المصالحات الوطنية حملت وعودا بعدم التعرض لسكان المنطقة وإيقاف ملاحقة من أجرى تسويات أمنية، إلا أن هذه الوعود انتهت مع دخول قوات النظام لتلك المناطق وإحكام سيطرتها على الحياة فيها.
وتابعت، أن “معظم حوادث الاعتقال التي سجلناها للأشخاص الذين أجروا تسويات أمنية تحولت إلى اختفاء قسري، وسجلنا وفاة عدد منهم بسبب التعذيب داخل مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري”.
ولفتت “الخطيب”، إلى أنه بالنسبة للدول الأوربية، فإنها حتى الآن ترفض أي خطوات باتجاه إعادة اللاجئين، بسبب عدم ضمان حمايتهم من الانتهاكات التي الممكن أن يتعرضوا لها وخاصة الاعتقالات.
مناطق مصالحات مشؤومة:
ورأى المحامي والباحث القانوني “فراس حاج يحيى”، أن الحملات التي يقوم بها النظام “المجرم” لا تعتبر “خرقا” لاتفاقاته وإنما تطبيقا وتنفيذا لها، فجميعها تضمنت عند عقدها إما التهجير إلى ادلب أو البقاء، ومن بقي في تلك المناطق أعطي مهلة ستة أشهر بعدها يتم إلحاقه بالخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية والمنشقين يعادون لقطعاتهم، وبالتالي كل من بقي بمناطق المصالحات المشؤومة كان يعلم ذلك وهو من اختار البقاء، وكان يعلم أنه سيحصل هذا معه كما حصل سابقا بمناطق سبقتهم للتصالح.
وأضاف، أنه “بخصوص الحملات المتعلقة بالعودة لسوريا، فإنه حتى الآن لا يبدو أن نظام الأسد حريصا على ذلك وهو يريد عودة الموالين له فقط أو أصحاب الملاءات المادية، وهذا واضح من تصرفاته مع العائدين من اعتقالات على الحدود وأحيانا التصفية والقتل لترهيب من يفكر بالعودة”.
وأشار، إلى أن “نظام الاسد ليس حريصا بالمطلق ولا من أهدافه عودة اللاجئين والمهجرين، وهو يفضل أن يختار من يعود ومن لا يعود وذلك لسرقة ممتلكاتهم عبر قوانين تشرعن ذلك، وهذا واضح أيضا من خلال الرسوم التي يفرضها على الراغبين بالعودة على الحدود وتبلغ قرابة 300 دولار للعائلة الواحدة”.
وختم ” حاج يحيى” بالقول: “لا شك أن المجتمع الدولي وبخاصة الاتحاد الأوروبي متابع دقيق لهذه الحيثية الهامة، التي تشكل ورقة انتخابية لمعظم الأحزاب فيه، وعودة اللاجئين تشكل له أولوية ومتوقع أن يشكل هذا الأمر نقطة التقاء بين بعض الحكومات الأوروبية وحكومة الأسد لإيجاد حلول لإعادة اللاجئين”.