طوابير انتظار المواد الأساسية (من غاز وخبز وغيرها) ليست بجديدة على السوريين، إذ أنهم اختبروها قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، وتحديداً في ثمانينيات القرن الماضي، تحت حكم الأسد الأب، وها هي تعود تحت حكم الأسد الابن.
هذه الطوابير التي يقف فيها المواطن السوري بحثاً عن أساسيات حياته، ليست وليدة الظرف، بل هي سياسة تنتهجها أجهزة المخابرات الأسدية لإخضاع الشعب وإذلاله ومن أجل إبقاء الوصاية على لقمة عيشه.
لاشك أن من استطاع أن يؤمّن الأسلحة لمدة 8 سنوات ليحارب “الإرهاب والحرب الكونية عليه” كما يزعم، قادر ببساطة على تأمين الغاز أو الخبز أو الكهرباء، لهذا الشعب المكلوم، ولكن المعادلة هنا ليس كذلك!
فالنظام الأسدي المافيوي الذي قتل وشرّد واعتقل الملايين يريد أن يواصل حربه على الشعب، من أجل إنهاء أي صوت يخرج ضده، ويعتقد في بنيته الاستبدادية أنّه كلما ذلّ المواطن أكثر سيخنع ويخضع له المواطن أكثر.
الحرب الجديدة للأسد “المنتصر على الحرب الكونية” بعد حرب البراميل والأسلحة الكيماوية والدبابات والطائرات التي قتل بها الشعب السوري وهجّره، هي حرب التجويع والإذلال لإخضاع ما تبقى من سوريين تحت مظلته.
الأسد “البطل” المنتصر على “المؤامرة الكونية”، بدأ سياسة الطوابير معتقداً أنّ النتائج التي حظي بها والده في ثمانينيات القرن الماضي ستكون من نصيبه، ولكن المفاجأة والمفارقة كانت بإطلاق عدد من مناصريه الأشداء حملة لمطالبة “السيد الرئيس” بحل أزمات الشعب.
هؤلاء المناصرون الأشداء اعتقدوا بسذاجة أنّ “السيد الرئيس” سيرأف لحالهم وسيتحرك مباشرة لنجدتهم وانتشالهم من الطوابير المذلّة، ولكنه قام بما دُرّب عليه طيلة حياته، إذ أرسل “كلابه” الأشد مناصرة لاستبداده “من ممثلين وإعلاميين ورجال مخابرات” من أجل التصدي للحملة وتخوينها وتخوين القائمين عليها.
آل الأسد وسياسة إخضاع الشعب وإذلاله ليس بجديدة، بل هي سياسة ممتدة منذ نشأة البشرية وبداية التاريخ، اعتمدها المستبدون لتثبيت حكمهم في مراحل عديدة، ولكن التاريخ ذاته يؤكّد في الجزء الثاني من تدويناته أن هذه السياسات دائماً ما كانت تأتي بنتائج عكسية على المستبد وتطيح به في لحظة ما، وهو الجزء الذي لا يقرأه المستبدون الجدد بل يستمرون بإنكاره حتى سقوطهم الحتمي!