يدخل الصراع العسكري على سوريا في مراحله النهائية من بوابة الهجوم على غوطة دمشق الشرقية، ويأتي هذا الصراع واستمراره على أرضية تعثر الاتفاق السياسي بين القوتين الدوليتين “روسيا والولايات المتحدة الأمريكية” فالروس محكومون بعوامل بعضها داخلي يتعلق بالانتخابات في شهر مارس القادم، ويتعلق بهواجس الخوف والقلق التي تنتاب القيادة الروسية من مخططات الغرب حيالها مثل المسألة الأوكرانية والدرع الصاروخية وحرب الطاقة، كذلك يتعلق الصراع بعلاقات روسيا مع إيران والخوف الروسي من انهيار هذه العلاقات تحت مطرقة الضغط الغربي مما يزيد من سوء الأوضاع الاقتصادية الروسية.
الأمريكيون هم أيضاً محكومون بعوامل تتعلق بضغوط اللوبي اليهودي الأمريكي الفاعل بشأن بقاء طاحونة “الفوضى الخلّاقة” فاعلة في منطقة الشرق الأوسط، مما يسهل على الدولة العبرية لاحقاً تسيّد المنطقة وقيادتها، والأمريكيون محكومون أيضاً باستراتيجية بعيدة المدى، والتي ترى أن الخطر القادم عليهم سيأتي من شرق آسيا، وهذا ما يجعلهم يفكرون بشكل استراتيجي من خلال إيجاد قواعد إضافية لهم تكون قريبة من الشرق ومن أوربا وروسيا، إضافة إلى أن الأميركيين لا يريدون خسران هيمنتهم على المنطقة سواءً لمصلحة الروس أو لمصلحة المشروع الإيراني أو المشروع التركي القادمين بقوة إلى هذه المناطق.
هذا الصراع العسكري والسياسي بين القوتين يفسر لنا الحرب التي يشنها الروس وحلفاؤهم على الغوطة الشرقية وهذا ما يجعل منها حرباً مفتوحة الأهداف والاحتمالات.
هجمات مدمرة من أجل أهدافٍ سياسية:
حين دعت القيادة الروسية إلى عقد “مؤتمر سوتشي” برعايتها وتخطيطها كانت تريد من ذلك أن تنفرد بالإمساك بورقة الحل السياسي للصراع في سوريا، ولكن الديبلوماسية الروسية أغفلت حساب الوجود الأمريكي في معادلة الصراع الجارية في هذا البلد، هذا الإغفال ينم عن فرط تضخيم لدور الذات الروسية المتوهمة بانتصارها العسكري وحقها بقطف ثماره السياسية من خلال تسويةٍ تفرضها بالقوة على المعارضة السورية، والتي لا تزال ممزقة الأوصال.
لم يشأ الروس أن يضعوا في حساباتهم قيمة الوجود العسكري الفعلي والمتوقع للولايات المتحدة في سوريا، وحين حاولوا جس نبض هذا الوجود على الضفة الشرقية لنهر الفرات في محافظة دير الزور، كانت النتائج كارثية عليهم وعلى حلفائهم إذ سحق الأمريكيون القوة التي مارست جس النبض فسقط أكثر من ثلاثمئة قتيل جلّهم من قوات “فاغنر” الروسية المأجورة.
الروس لم يجدوا الوسيلة المثلى للتعامل مع “اللاورقة الأمريكية” التي تبنتها الولايات المتحدة ودول حليفة لها، وهذا يستند إلى أنهم لا يزالون غارقين بوهم انتصارهم العسكري ومراهنتهم على غياب دور أمريكي في حل الصراع في سوريا وعليها هذا الوهم سيكلفهم على ما يبدو كثيراً من الغرق في رمال الحرب الداخلية السورية، مما يعزز الاعتقاد أن إيران هي الطرف الأكثر ربحاً من التورط الروسي، مما يضمن لها مصالحها والروس في هذه الحال معنيون بوضع ضوابط للصراع مع الأمريكيين تأتي لمصلحتهم وليس لمصلحة إيران، لكن الإيرانيين يعملون على مزيدٍ من توريط الروس في الصراع من أجل أن يتعزز دورهم في صناعة مستقبل الحكم في سوريا.
إن هواجس بوتين بالانتصار تقوم على بنيته النفسية كـ ديكتاتور “قيصر جديد” وعلى رغبته بالظهور كمنتصر قبل حصول الاستحقاق الانتخابي في مارس 2018، وعلى الإمساك بالورقة السورية كورقة تفاوض لاحقة مع الغرب.
التريث الأمريكي ولعبة الوقت:
ليس حال الأميركيين مريحاً بالصورة التي يخططون لها لوجودهم في سوريا فالأمريكيون يريدون استنزاف جميع القوى التي يختلفون معها، فليس مفهوماً حتى اللحظة كيف تتوقع الولايات المتحدة نجاحاً سياسياً في سوريا على حساب الروس أو الإيرانيين، دون حساب أوراق قوة حقيقية على الأرض، فالأمريكيون لم يفكروا في أي لحظة أن يتحالفوا استراتيجياً مع فصائل عسكرية تمثل الجيش الحر المعتدل لإنهم لا يريدون نجاح هذه الفصائل في سحق النظام وحلفائه بقدر رغبتهم في استمرار استنزاف الجميع.
الأمريكيون يريدون استمرار الطاحونة الدموية التي توفر لهم نتائج باهرة بأثمان قليلة، وهم لا يريدون أن تكون تركيا قويةً اقتصادياً وعسكرياً لأنهم يخافون من نتائج هذا التطور الصاعد للقوة التركية، لهذا هم يشغلونها عبر تحالفهم مع أعدائها من حزب PYD يستنزفونها ظناً منهم أن تركيا ستأخذ حيّزاً متقدماً من السوق الاقتصادية والنفوذ السياسي لدول منطقة الشرق الأوسط.
الأمريكيون بهذه الحسابات يُضعفون قوتهم ونفوذهم ويفتحون على أنفسهم بوابات صراعات قد تنسف كل استراتيجيتهم في المنطقة، لذلك يمكن قراءة زيارة “ريكس تيلرسون” لإيجاد تقاربات ملموسة بين الولايات المتحدة وتركيا “الأطلسيتين” تحقق التوازن والمصالح الحيوية للطرفين من خلال معادلات جديدة.
الأمريكيون قد يخرجون من المنطقة إذا لم يدركوا أهمية إضعاف العلاقة الجديدة بين روسيا وتركيا وتقديم بدائل مضمونة لها للأتراك، فالروس يقوون بهذه العلاقة على حساب الأمريكيين لذلك سيجد الأمريكيون أنفسهم وسط سياسة جديدة تكون تركيا أحد أعمدتها الرئيسية وتكون إيران الهدف المستنزف إلى النهاية في دول الإقليم.
أهداف الحرب على الغوطة واحتمالاتها:
إذا قبلنا بكل المقدمات التي مررنا عليها يكون الروس في هذه الحال قد حسموا أمرهم في لعب الورقة الأخيرة في حربهم ضد الغوطة الشرقية، فهم يحققون أهدافاً متعددة من هذه الحرب، وأول هذه الأهداف تدمير البنية التحتية وحرق منطقة الغوطة مما يضعف دور الفصائل العسكرية إلى أقصى درجة، وثاني الأهداف هو منع الولايات المتحدة من لعب دور محتمل من خلال هذه الفصائل المتواجدة في الغوطة، وثالث هذه الأهداف بدء انهيار حقيقي للفصائل سواءً في الغوطة الشرقية أو في الجنوب السوري كما لمّح إلى ذلك وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف”.
إذا قبلنا بكل المقدمات التي مررنا عليها يكون الروس في هذه الحال قد حسموا أمرهم في لعب الورقة الأخيرة في حربهم ضد الغوطة الشرقية، فهم يحققون أهدافاً متعددة من هذه الحرب، وأول هذه الأهداف تدمير البنية التحتية وحرق منطقة الغوطة مما يضعف دور الفصائل العسكرية إلى أقصى درجة، وثاني الأهداف هو منع الولايات المتحدة من لعب دور محتمل من خلال هذه الفصائل المتواجدة في الغوطة، وثالث هذه الأهداف بدء انهيار حقيقي للفصائل سواءً في الغوطة الشرقية أو في الجنوب السوري كما لمّح إلى ذلك وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف”.
هذه النتائج إذا تمكنت الروس من تحقيقها ستكون أوراق قوةٍ بيدهم، أما إذا فشلوا في الحصول عليها فهذا يعني بدء انهيار الدور الروسي في الصراع على سوريا، ويعني أن هذا الدور إذا استمر سينقلب وبالاً اقتصادياً وسياسياً ونزفاً بشرياً لا تحتاجه روسيا في ظروفها الداخلية والدولية الحالية.