أثارت التصريحات التي تضمنتها القمة الثلاثية الرابعة، والتي جمعت رؤساء كل من “تركيا وروسيا وإيران” في مدينة “سوتشي” الروسية، قبل أيام، وخاصة تلك التي صدرت عن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” موجة من التساؤلات.
فعقب انتهاء لقاء القمة، أدلى “بوتين” بتصريح لافت مفاده أن “تواجد الدول الضامنة روسيا وإيران وتركيا في إدلب مؤقت”، كما صرّح قائلًا: “حققنا نجاحات في سوريا ولكن من المبكر إغلاق تلك الصفحة”، في حين صرّح “أردوغان”: أن “الأمل بالتوصّل إلى حل للأزمة السورية لم يكن قريب المنال مثلما هو عليه اليوم”.
وتساءل مراقبون عن الرسائل التي أراد إيصالها كلا الطرفين “الروسي والتركي” من خلال تلك التصريحات؟ وما انعكاسات ذلك على تطورات الوضع خصوصًا في منطقة إدلب التي بات ملفها على طاولة تلك الأطراف التي تعد اللاعب الرئيس في الساحة السورية إضافة للحاضر الغائب ألا وهو الطرف الأمريكي.
روسيا تضغط على إدلب “الخاصرة الرخوة” لتركيا
وكان الرئيس التركي “أردوغان” أشار في كلمته إلى أهمية مفاوضات أستانا بالنسبة للتسوية السلمية في سوريا، مؤكداً أن الدول الضامنة الثلاث استطاعت الحفاظ على مبادئ أستانا، على الرغم من الاستفزازات المختلفة، بحسب ما تداولته مصادر إعلامية.
“حسين عبد العزيز” الكاتب والمحلل السياسي، رأى أن تصريح “بوتن” حول إدلب هو نوع من أنواع الضغط على تركيا لاستخلاص تنازلات منها في شرق الفرات، والقبول بالرؤية الروسية التي تؤكد على تطبيق “اتفاق أضنة” بالتفاهم مع النظام السوري، مع ما يعنيه ذلك من شرعنة تركية لهذا النظام، وهو أمر ترفضه أنقرة، ناهيك عن أن روسيا لا تحبذ أن تتجاوز تركيا عمق الـ 5 كلم في الأراضي السورية بحسب منطوق الاتفاق.
وتابع بالقول لسوريا 24: إن الضغط الروسي ينحصر في إدلب لأنها الخاصرة الرخوة لتركيا في الساحة السورية، بسبب وجود تنظيمات مصنفة بالإرهابية وفق الأمم المتحدة، لكن المقصود شرق الفرات، مضيفًا أن منطقة إدلب لا تشكل تهديدا للنظام السوري، والنظام ذاته لا يفضل السيطرة عليها بسبب التكلفة العسكرية الكبيرة لأي عملية عسكرية من جهة، وبسبب العبء الاقتصادي الذي سوف يعانيه إن عادت المنطقة له من جهة ثانية.
ولفت “عبد العزيز” إلى احتمالية أن تجري عملية عسكرية محدودة، كحل وسط تقبل به الأطراف، شرط ألا تؤثر على جوهر اتفاق سوتشي، وجوهر الاتفاق ليس هو المنطقة العازلة في الحقيقة، وإنما إبقاء الهيمنة التركية على المحافظة، وخسارة بعض المناطق في أقصى جنوب إدلب وريف حماة الشمالي، لا يؤثر على جوهر الاتفاق، لكنه استبعد في الوقت ذاته أن تحدث مثل هذه العملية في الوقت القريب، وقد تستبدلها موسكو بعمليات قصف جوي قوية تؤدي إلى إلحاق أذى كبير بالتنظيمات الإرهابية، على حد تعبيره.
وفي قراءة موسعة منه للتصريحات الروسية التي صدرت خلال تلك القمة، قال “عبد العزيز”: إن روسيا تعلن دائما بين فترة وأخرى أنها حققت نجاحات على الأرض، وهذا ليس بجديد، إلا أن كلام بوتين بأنه من المبكر إغلاق تلك الصفحة، يشير إلى العقبات الكبيرة التي تواجه الروس فيما يتعلق بالمناطق التي تسيطر عليها “قوات سورية الديمقراطية” المدعومة أمريكيا، فهذه المناطق تعتبر الخزان الاقتصادي لسورية، ولا توجد إلى الآن صيغة أو رؤية واضحة لمستقبلها في ظل الضبابية التي تحكم الخطاب الأمريكي.
وتابع قائلًا: إن تصريح “بوتن” يشير إلى العقبات التي تواجه الحل السياسي، وهذا أمر يدركه صناع القرار في الكرملين، الذين لم ينجحوا في استثمار انتصاراتهم العسكرية على المستوى السياسي ولا على المستوى الاقتصادي ولا على المستوى الإنساني (اللاجئين).
أما فيما يتعلق بقراءته لتصريحات الرئيس “اردوغان” فرأى “عبد العزيز” أنها تشير إلى الدور التركي المهم في عملية إنجاح اللجنة الدستورية التي ستكون نواة الانطلاق نحو تشكيل دستور جديد، مشيرًا إلى أن هناك أيضًا بعد آخر في هذا التصريح لا يتعلق مباشرة بالحل السوري، وإنما بالدور الثلاثي لأعضاء استانا، بمعنى أنها رسالة سياسية للمجتمع الدولي بأهمية هذه الاجتماعات كونها نجحت على الصعيد العسكري، وتقترب من النجاح في ملف اللجنة الدستورية، وكل هذا يؤكد على أهمية استمرار مسار أستانا الثلاثي، وهو مسار متمسكة به تركيا كما هو حال روسيا، وفق تعبيره.
لعبة العلاقات الدولية والحرب السياسية
وعقب انتهاء القمة الثلاثية في سوتشي، وصف الرئيس التركي مفاوضات أستانا بأنها أنجح نموذج لوقف تصاعد العنف في سوريا، مؤكداً أن أنقرة وموسكو وطهران تمكنت عبر الحوار من احتواء العديد من العقبات، معلنًا في الوقت ذاته أن “تركيا وروسيا وإيران” قطعوا شوطاً مهماً في سبيل إيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
المحلل السياسي “محمد عدنان” ورئيس “حركة سوريا السلام” يرى أن كل ما يحصل في المشهد السوري على الأرض ليس له علاقة بالمآلات النهائية للوضع في سوريا، بل هو لعبة العلاقات الدولية والحرب السياسية بمظاهر عسكرية يدعمها الإعلام.
وأضاف في حديثه لسوريا 24، أن في العلاقات الدولية هناك ما يسمى “الثابت السياسي والمتحول السياسي”، وأن كل ما يحصل يدخل ضمن المتحول السياسي وهذا دائما يكون مؤقت فقط لتمرير أجندات ومصالح خاصة وفي كثير من الأحيان ظاهرها ليس الحقيقة بتاتا.
كما يرى “عدنان” أن وجود تركيا في حلف “سوتشي” هو بأمر أو اتفاق أمريكي وبتنسيق مع “الناتو”، وهدفه الأساسي تفكيك الحلف الروسي الإيراني، وهو من أهداف المرحلة الخاصة بإخراج إيران، والأن بدأت تظهر نتائج هذه المهمة التركية. لأن الثابت السياسي هو أن تركيا في حلف “الناتو” ومع أمريكا.
ولفت “عدنان” الانتباه، إلى أن السياسات تبنى على الثابت وليس المتحول، معتبرًا أن كلام “بوتن” أن وجودهم “مؤقت” فهو صحيح لأن الوضع النهائي في سوريا وطن موحد أرضا وشعبا وبلا الأسد، أما قوله من المبكر الخروج وإغلاق الصفحة فهذا كلام للمساومة المادية، مبينًا أن روسيا تطلب المال الآن مقابل الخروج، على حد وصفه.
الجدير ذكره، أنه وبحسب البيان الختامي للقمة الثلاثية في سوتشي الذي صدر في، 14 شباط/فبراير الحالي، فقد اتفقت الدول الثلاث “روسيا وتركيا وإيران”على اتخاذ إجراءات من أجل تطبيق الاتفاقات بشأن منطقة وقف إطلاق النار في إدلب شمال غربي سوريا بالكامل، معربين عن محاولات “هيئة تحرير الشام” التي تشكل “جبهة النصرة” الإرهابية عمودها الفقري زيادة نفوذها في المنطقة، كما اتفقت الدول الثلاث على عقد اجتماع جديد بصيغة أستانا أواخر “مارس /إبريل” المقبل.