طفلة سورية ضحية جشع والدها.. ما علاقة النظام وداعش؟

Facebook
WhatsApp
Telegram

ريتا خليل - SY24

في رحلة بين فرع الأمن العسكري وسجن عدرا بمرحلة تسمى الإيداع، وهي تعني خلاصك من فروع التحقيق وتحويلك باتجاه سجن عدرا، فيتم إيداعك لدى أحد مخافر الشرطة المدنية، وهذا يعني أن ملفك تحول من وزارة الدفاع لتصبح في عهدة وزارة الداخلية وعناصرها.

فترة إيداعي كانت في مخفر كفرسوسة بدمشق على الرغم من كونها لم تطل سوى أسبوع واحد، إلا أنها حملت حدثاً مميزاً بخاصة لمن كان بمثل وضعي لا يعلم ما يدور حوله، يفتقد رؤية إنسان يعرفه سابقاً، وكم كانت دهشتي لحظة دخولي إلى زنزانة ذاك المخفر حين هرعت إحدى المودعات نحوي تعانقني وتقبلني بكل حفاوة وحرارة، استغربت تصرفها كونني كنت أجهل أو لم استطع تذكر اسمها تداركت الموقف، فقالت: ألم تعرفيني؟ِ أنا صباح … صباح … صباح، رحت أتساءل بيني وبين نفسي من صباح، فجأة عادت لي ذاكرتي المهجورة فتذكرت تفاصيل لقائي ومعرفتي بصباح.

كانت صباح ابنة الستة عشر ربيعا فتاة من ريف حلب، وضعها القدر في طريق أحد قواد وأمراء المهاجرين من دولة العراق للقتال في سوريا، حيث قام والدها بتزويجها لهذا الأمير بعد أن أغراه بالأموال وبالمنصب الذي كان يشغله في ذلك الحين.

لم يدم زواجها سوى بضعة أشهر ليتركها ذاك الأمير عائداً إلى بلده العراق بحجة مشاركته في الجهاد هناك حسب إدعائه، لتدخل صباح بمأساة خفيفة وهي اعتقالها على أحد حواجز النظام الطيارة(المتنقلة) ومن ثم تم تحويلها إلى فرع الأمن العسكري بحلب، وهناك تعرفت عليها للمرة الأولى قضينا أياماً معاً هناك، تشاركنا ذات الزنزانة وذات الفرع وذات الهم حتى لدرجة أننا تشاركنا ذات المحقق ولكن مع اختلاف طريقة التحقيق التي اتبعها معي ومعها.

كان يتبع المحقق معي أسلوباً كما البقية من المعتقلات من تعذيب نفسي وجسدي لا يخلو من الإهانة حالي كحال الجميع بأستثناء صباح فكانت تحظى بمعاملة مغايرة تماماً بحسب روايتها هي، حيث قالت: “اجلسني المحقق على كرسي دون قيد أو حتى طماش العينين وعاملني بكل إنسانية ودلال لدرجة أنه عرض علي التدخين إن كنت راغبة بذلك”.

قد تستغربون أن يكون في مسالخ الأسد مثل هذه المعاملة والحق معكم فحتى نحن عندما سمعنا روايتها لم نصدقها، لكن بعد فترة علمنا السر وراء هذا المعاملة فصحيح أنه لم يقم بتعذيبها جسدياً وقد يكون ذلك بسبب صغر سنها أو كونها مرتبطة بشخصية مطلوبة لديهم بشدة، فأتبع معها أسلوب الترغيب والترهيب للحصول على أكبر قدر من المعلومات، فمع أنه لم يمارس التعذيب عليها لكنه لم ينفك يهددها بين الجملة والأخرى بأنك إن لم تتعاوني معنا سيكون مصيرك مصير زميلتك الأخرى والتي كان يقوم بتعذيبها والتحقيق معها هي الأخرى أمامها، فتشاهد بأم العين مدى الإجرام المتأصل في نفوسهم دون أن يطالها ذات المصير وقد أفلحت هذه السياسة إلى حد ما، كيف لا؟. وصباح طفلة صغيرة لم تعركها الحياة بعد ولم تنمو شخصيتها ولم تختبر ظروفا تجعل منها أكثر صلابة، ولكم أن تستشعروا إحساسها في ذلك الوقت ومدى الخوف الذي تملكها والرعب من أن تلاقي ذات المصير من شبح وضرب بالسوط ودولاب وغيرها من وسائل وفنون السادية لدى أشخاص انتزعت الرحمة من نفوسهم، فبعد ثلاث جلسات على هذا المنوال انهارت صباح واستسلمت لرغبة سجانها وأرضت غروره بأن اعترفت بكل الجرائم التي نسبها لها وكان أولها انتسابها إلى تنظيمات إرهابية وتعاونها وتعاملها مع إرهابيين، وأن عليها للخلاص مما هي فيه والعودة إلى منزلها مباشر أن تدلي بأسماء أشخاص كانوا يترددوا على زوجها فانصاعت مرغمة خائفة فأدلت بمجموعة من الأسماء كان معظمهم لا تعرفهم شكلا ولم تشاهدهم في حياتها بل هي أسماء بالغالب سمعت بها مجرد سماع، قد يكون البعض منهم من شبيحة النظام حتى.

كل ما كانت تسعى له في وقتها هو الخلاص من هذا الجحيم والعودة إلى حضن والدتها لكن ذلك لم يتحقق لها، بل كان مصيرها لا يختلف عن مصير بقيتنا فسيقت معنا ضمن جنزير واحد في رحلتنا المقيتة والسوداء إلى فروع الأمن في العاصمة دمشق، لتعايش ظروف تحقيق مختلفة، فقدت اتصالي بها بعد وصولنا لدمشق حيث تم سوقها إلى فرع فلسطين وهو غني عن التعريف ولكم أن تجمحوا بخيالكم إلى أبعد الحدود لتترسموا في مخيلتكم صورة للتحقيق الذي كان يمارس في حق الطفلة صباح، والتي روت لي جزء يسيراً منه حين التقيتها بعد أشهر طويلة من وداعي لها في مخفر كفرسوسة للشرطة المدنية.

مقالات ذات صلة