أعلنت تنظيمات عسكرية سرّية معارضة لوجود إيران في جنوب سوريا مسؤوليتها عن اغتيال 21 جنديًا ومقاتلاً في ميليشيات مؤيدة لإيران أو تقاتل تحت أمرتها، منذ سريان اتفاق المصالحة بين النظام السوري وقوى المعارضة المحلية الصيف الماضي، وفقًا لتحليل قامت به منصّة SY24.
وقد ساهمت العمليات في درعا ضد الميليشيات الإيرانية في تسليط الضوء على مدى ضعف الانتصار المزعوم للنظام السوري وحلفائه في مهد الانتفاضة السورية، إضافةً لمدى الاستياء الشعبي من التعدّيات الإيرانية ضمن هذه المنطقة الهامّة من الناحية الاستراتيجية، نظراً لقربها من مرتفعات الجولان التي تحتلّها إسرائيل.
جميع هذه الهجمات أعلنتها ما تعرف بـ “وحدات المقاومة الشعبية”، وهي قوة سرّية ظهرت على ما يبدو بسبب الاستياء العام في جنوب سوريا، بعد سريان اتفاقات المصالحة واستمرار وجود القوات الإيرانية.
وكان مقاتلو “الجيش السوري الحر” والفصائل الأخرى في الجنوب وقعوا اتفاق تسوية مع النظام السوري وروسيا في تموز 2018 يقضي ببقاء المقاتلين الراغبين للتهجير مع توقيعهم على المصالحة، أما من رفض المصالحة هُجّر مع عائلته إلى الشمال السوري.
من جانبها تعهّدت إسرائيل لوقتٍ طويل بمنع إيران وميليشياتها من إقامة وجودٍ لها في سوريا على طول الحدود. وقد قصفت العديد من القواعد الإيرانية في جميع أنحاء البلاد، في محاولةٍ لإلحاق الضرر بخطوط النقل والإمداد إلى لبنان المجاور، حيث تتمركز ميليشيا حزب الله. وتؤكّد الحكومة الإسرائيلية على أنها لن تتسامح مع وجود “القوى المعادية لها على الحدود مع لبنان وسوريا.”
لكنّ الميليشيات الإيرانية استمرّت في التمركز جنوب سوريا، وسعت إلى التوسع من خلال تنمية العلاقات مع الشخصيات المحلّية البارزة وتجنيد المتطوعين، حسب مصادر.
وأدّت الأنشطة الإيرانية في المنطقة، التي تنتهك اتفاقات المصالحة، إلى خروج مظاهرات شعبية ضدّها في كل من مدينة درعا وبصرى الشام القريبة. وقد تحوّلت حركة المقاومة هذه إلى العنف مع بدء حملة الاغتيالات.
يكشف العنف في الجنوب السوري حقيقة عدم صحّة مزاعم انتصار النظام السوري عسكرياً في المنطقة، وذلك على الرغم من تمكّنه من استعادة مساحات شاسعة من الأراضي من المعارضة جراء حملات وحشية دعمتها روسيا وإيران. كما يسلّط الضوء أيضًا على المصالح المتنافسة لموسكو وطهران، وصراعهما على السلطة في مساعيهما لبناء النفوذ، ودعم النظام السوري أو تقويضه.
ويقترح أحد القادة العسكريين في محافظة درعا أن موجةً المظاهرات المناهضة لإيران في الجنوب ربما تم تشجيعها بشكل غير مباشر من قبل ضابط روسي. إذ يبدو أن موسكو تقوم بتوسيع وجودها في جنوب سوريا للحدّ من نفوذ إيران.
عملت روسيا على تعزيز وجودها من خلال لعب دور الوسيط بين مسؤولي النظام والمجتمعات المحلية التي كانت تحت سيطرة المعارضة، بعد أن تولّت أيضًا مسؤولية المفاوضات من أجل انسحاب المعارضة الصيف الماضي.
كما سعت موسكو أيضًا إلى تسهيل عمليات الأمم المتحدة الإغاثية في جنوب سوريا، على الرغم من منعها للمساعدات الإنسانية خلال هجمات النظام السوري على حلب وبلدات الغوطة الشرقية بريف دمشق. بل وقدّمت روسيا المساعدات للسكّان في درعا من خلال مؤسساتها.
وتُبرز التوترات بين روسيا وإيران أسلوبيهما المختلفين للتعامل مع الأزمة في سوريا، ومحاولاتهما لبسط النفوذ في البلاد وسط فراغ السلطة الذي شكّله تراجع المعارضة، وعدم قدرة النظام على فرض سيطرته في جميع أنحاء البلاد.
في حين سعت روسيا عمومًا إلى بناء ودعم مؤسسات الدولة المركزية في سوريا، تقوم إيران عادةً ببسط سلطتها عن طريق تقويض دولٍ مثل لبنان واليمن، ودعم الجهات غير الحكومية والميليشيات الموالية لطهران بشكل أساسي.[t1]
لقد جعلت هذه المنافسة من محافظة درعا، التي كان الاستيلاء عليها بمثابة انتصارٍ رمزيٍ هام للنظام السوري، منطقةً لا مستقرة. ويثير ذلك تساؤلات حول إذا ما كان بإمكان حكومة النظام فعلياً تحقيق الاستقرار في بقية أرجاء سوريا، حتى مع تراجع المعارضة وانخفاض حدّة العنف في معظم المحافظات السورية.