ربما النظرة الأولى لمجريات الأحداث الأخيرة في الغوطة الشرقية وكم المجازر والإجرام الذي فاق كل ما يمكن أن يتصوره عقل الإنسان؛ يشير إلى أن المنطقة تسير لتكون نموذج شرق أوسطي شبيه بما شهدته العاصمة الشيشانية غروزني أواخر القرن الماضي إبان الاجتياح الروسي لها، والذي استخدم ذات سياسة الأرض المحروق التي يتبعها اليوم الغوطة.
فهل ستنتهي ملحمة الغوطة بمشهد دخول المدرعات الروسية إليها؟
إجابة هذا السؤال ترتبط بالتوجه الأمريكي ونظرته لما يحدث، فدخول قوات النظام والقوات الروسية إلى الغوطة تحت أي ظرف أو تسوية يعني أن عقدة الحل في سوريا بين القوى العظمى وتحديداً واشنطن وموسكو قد حلت تماماً، ودخول الغوطة سيندرج وقتها ضمن الخطوات العملية باتجاه لإقرار حل دائم في سوريا، قد يكون حالياً من الصعب التنبؤ ببنوده وشكله ومآلاته.
القناعة السابقة تنبع من كون أن سقوط الغوطة سيمثل التغيير الحقيقي في موازين القوى على الأرض، على اعتبار أن دخول النظام إليها سيكون بمثابة الخطوة الأولى والحقيقية على طريق تأمين نفسه في العاصمة، كما أنه سيكون النصر الحقيقي للروس في سوريا، فالأهمية الجغرافية والاستراتيجية للغوطة تفوق بكثير المناطق التي سيطر عليها الروس منذ عامين وحتى اليوم، وبالتالي فإن سقوط الغوطة إن تم لا يمكن أن يكون إلا من خلال اتفاق دولي وليس مجرد حشد قوة من طرف واحد أيا كان.
أما السيناريو الآخر والذي من الممكن أن يكون مطروحاً، هو رغبة واشنطن بجر موسكو لمواجهة عسكرية برية في الغوطة، وهو ما يبدو أنه كان الهدف الأساسي للأمريكان منذ قبولهم بالتدخل الروسي المباشر في سوريا، وبالتالي محاولة من قبل الإدارة الأمريكية لجعل الغوطة نموذجاً مصغراً من أفغانستان، وهو ما يمكن أن يفسر حالة التريث الروسي قبل الدخول بعملية برية باتجاه الغوطة والاعتماد على سياسة الأرض المحروقة واستهداف المدنيين بالأسلحة الثقيلة عبر الذراع العسكرية الطويلة، الأمر الذي يعني أن الحملة الحالية غالباً قد لا تنتهي بالمشهد الدرامي الذي يصور دخول عربات النظام والروس إلى ساحات الغوطة، وربما تكون هذه النقطة الإيجابية الوحيدة لهذا السيناريو.
عملياً أيا كان المصير الذي ينتظر الغوطة، يبقى الثابت فيه أن الروس يميلون لتجنب أي عملية برية للسيطرة على الغوطة وإنما دخولها من بوابة المصالحات أو اتفاق لإخراج فصائل المعارضة كما تم في حلب، وهو ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل بدء الهجمات الجوية بساعات، الأمر الذي يظهر محاولة موسكو تحقيق أمرين مهمين، الأول تحييد إيران في عملية الغوطة، والثاني لتنجب أي فخ أمريكي يمكن أن ينصب لها هناك.
أما الأمر الأكثر ثباتاً وواقعية، أن دماء السوريين باتت الإسفلت الذي تعبد فيه طرق المصالح الدولية ونفوذها، ولم يعد لهم مكاناً ضمن سجلات المجتمع الدولي الإنساني، فاليوم وغداً وبعد الغد كل ما سيطولونه من المجتمع الدولي مجرد إدانات وبيانات تغطي تواطؤه واستخدامه للسوريين كورقة مساومة في صراعات النفوذ بين الدول الكبرى، وكالعادة سيجتمع مجلس الأمن لمناقشة الهدنة وسيفشل ولن تقر، وتبقى الآلة العسكرية سيدة للموقف وصاحبة الصوت الأعلى الذي لن يفوقه سوى صرخات من تتساقط عليهم تلك القذائف.