بات الأطفال هم الفئة الأكثر تضرراً من الحروب في سوريا، فمنهم من هرب برفقة عائلته من المناطق الساخنة إلى منطقة آمنة، واضطر للعمل ولو بأجرٍ قليل ليعيل أسرته، ومنهم من فقد ذويه وأصبح رجلاً، وهو لم يبلغ الثامنة عشر من عمره بعد.
الطفل “عبدالله السعيد” من مدينة عامودا الواقعة بريف الحسكة، هو أحد الأطفال الذين اضطروا لترك مدرستهم وتعليمهم، والالتحاق بأعمال لا تناسب أعمارهم وقدراتهم الجسدية، ليساعد عائلته بالمصروف، قال لموقع SY24 وهو يتنهد: “طالما كان حلمي أن أكون مدرّس لغة إنكليزية، ولكن ظروفي العائلية الصعبة، لم تسمح لي بذلك، فقد تركتُ دراستي وتوجهتُ للعمل كعاملِ صحية في إحدى الورشات، لأحظى في أخر اليوم، بمبلغٍ ماديٍّ وإن كان قليلاً، لكنه يساهم بمصروف عائلتي المتعبة مادياً،
وأضاف، “عندما أكبر سأحاول قدر استطاعتي، تأمين حياة كريمة لأطفالي، وأهتم بدراستهم لعلهم يحققون حلمي الذي حرمتُ منه”.
أما الطفل “نجم السليمان” وهو نازحٌ من محافظة الرقة، إلى محافظة الحسكة قال: “كنتُ أعمل برعي الأغنام، وبعد أن فقدتُ والدي بعد دخول داعش للرقة، أصبحتُ مسؤولاً عن والدتي وأخوتي الأربعة، كوني الأخ الأكبر في العائلة، والآن أعمل كأجيرٍ بإحدى المحلات المختصة بتصليح السيارات في المنطقة الصناعية بالحسكة، وأتمنى لو أستطيع العودة لدراستي التي فقدتها بدخول داعش لمدينتي الرقة، أو حتى لرعي الأغنام، وأحن كثيراً إلى أصدقائي الذين كنتُ ألعب معهم في حارتي في الرقة”.
(عبدالله ونجم) نموذجان لطفلان يصارعان الحياة للحصول على أقل من دولارين باليوم لمساعدة أسرهم، فقد أجبرتهما ظروف الحرب والنزوح على ترك مقاعد الدراسة، بحثاً عن لقمة العيش لإعالة ذويهم، وبعيداً عن اللعب وكل ممارسات الطفولة، يقضيان يومهما مُثقلين بهموم الكبار ليعودا إلى البيت بما يسكت الجوع و يسد الرمق.
من جانبه، قال الأخصائي الاجتماعي “نصار شيخموس”، لـ SY24، إن “تفشي هذه الظاهرة ستنعكس سلباً على مستقبل أجيال عدّة، فعندما يسلب الطفل من حقوقه البسيطة (كاللعب والتعليم وغيره)، وإلقاء حمل كالعمل على كاهل الأطفال فإن ذلك سيؤثر على نفسية الطفل، ما يجعله جسمه قابل لاستقبال أي مرض نفسي في المستقبل”.
ولفت “شيخموس” إلى أنه “في علم النفس، من السلبي تلبية جميع طلبات الطفل، والتي ستؤدي إلى اهتزاز في أخلاقياته، فأيضاً منعه من حقوقه الطبيعية، سيكون له نفس النتيجة”.
هنا يجدر بنا توجيه هذه الظاهرة ووضعها بين يديّ الجهات المسؤولة والأهلية، لتعمل على الحد منها ومحاربتها، ومعاقبة المخالفين الذين يعملون على تشغيل الأطفال، ولإيجاد حل لإعالة هذه الأسر، من خلالِ توفير فرص عمل للوالدين أو لأحدهما، الأمر الذي يتيح الفرصة أمام الطفل لاستكمال دراسته.