لم تمر ساعات على صدور قرار مجلس الأمن الدولي بفرض هدنة “مزعومة” في الغوطة الشرقية، حتى خرج وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” بتصريح يقول فيه إن الهدنة لا تشمل فصيل “جيش الإسلام” وغيرها من الفصائل الموجودة في الغوطة، مدعياً بأنها فصائل “إرهابية متطرفة”، حالها حال تنظيم “هيئة تحرير الشام”، كما قال.
ويعلم “لافروف” ورأس النظام في سوريا بشار الأسد، بأن لا وجود لـ “هيئة تحرير الشام” في الغوطة إلا بضع عشرات من العناصر، وفي حده الأعلى لا يتجاوز الـ 250 عنصراً. وسبق لـ “جيش الإسلام” وغيرها من الفصائل، أن عملت ومنذ أكثر من عام على محاربة هذا التنظيم وتحجيم دوره الصغير بالأصل.
كما يدرك لافروف ورأس النظام بأن من يقاتل قوات النظام والميليشيات الطائفية الأجنبية في الغوطة، هي فصائل معتدلة ومن أبرزها فيلق الرحمن وجيش الإسلام، وفيها آلاف المقاتلين، جميعهم من أبناء المنطقة، والذين دافعوا ولازالوا عن أرضهم وعرضهم ولا يحتاجون من أي شخص في العالم لتقييمهم إن كانوا معتدلين أم غير ذلك.
ولهذا عملت روسيا والنظام قبل الهجمة الأخيرة على عرقلة عملية إخراج عناصر “الهيئة”، لإيجاد حجة للهجوم ضد الغوطة المشمولة سابقاً ضمن اتفاق “خفض التصعيد” الموقع في القاهرة في تموز من العام الماضي، لكن وبعد صدور القرار الجديد من مجلس الأمن، وسحب حجّة “هيئة تحرير الشام” خرج الروس بتصريحات معاكسة لما تم الاتفاق عليه في مجلس الأمن، وهو ما يؤكد من جديد بأن هدف موسكو ليس عناصر “تحرير الشام” والذين لا يشكلون أي شي يذكر على الأرض هناك، بل الغوطة ككُل بجميع فصائلها ومؤسساتها والمدنيين فيها.
كذلك فإن الرد الروسي المعاكس لاتفاق الهدنة “المزعوم” جاء على أرض الميدان بعد أقل من 8 ساعات على صدور القرار، وذلك بمحاولة فاشلة من النظام وميليشياته لاقتحام الغوطة من عدة محاور وبتغطية جوية روسية، خسر فيها النظام وحلفاؤه عشرات القتلى من بينهم ضباط يتبعون لقائد ميليشيا ما تسمى “النمر” وهو لقب “سهيل الحسن” أحد أهم أبرز رموز النظام.
من هنا، فإن تصريح “لافروف” حول فصائل ثوار الغوطة ووصفها بـ “الإرهابية”، هو تصريح يأتي ضمن سلسلة طويلة، تعود لسنوات اعتادت عليها موسكو منذ بداية الثورة السورية وأهم ما يميزها، نعت الثوار السوريين بجميع فصائلهم على مساحة سوريا بأنهم “إرهابيون” دون تمييز.
ولو عدنا لليوم الأول للتدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا نهاية أيلول من عام 2015 حيث ادعت روسيا حينها بأنها جاءت سوريا لمحاربة تنظيم الدولة”، لوجدنا أن التاريخ يُسجل بأن أول غارة روسية كانت في حمص وحماة واستهدفت مبانٍ مدنية خالصة، وأخرى تابعة للجيش السوري الحر وأوقعت حينها أكثر من 30 قتيلاً جلّهم أطفال ونساء.
ومنذ بداية التدخل الروسي، فإن أكثر من منظمة دولية ومحلية خرجت بتقارير في أوقات سابقة، أكدت فيها أن أكثر من 95% من غارات الروس استهدفت مواقع مدنية وحيوية سورية، في حين لم يتم تسجيل أكثر من 5% من تلك الغارات على مواقع تابعة لتنظيم الدولة.
هذا الأمر يبرهن على أن روسيا ومنذ فترة طويلة تعتبر كل سوري خرج ضد النظام السوري وطالب بالحرية هو “إرهابي ومتطرف” ويجب قتله أو تهجيره لأنه يشكل عقبة في وجه مخططاتها في سوريا، وهذا يعني أن غالبية الشعب السوري هم “إرهابيون” من وجهة نظر المحتلين الروس، ولهذا نرى كيف أصبحت الهجمات الجوية منذ التدخل الروسي المباشر، تعمل على إبادة جماعية، وشاهدنا كيف تم تهجير مدن وبلدات ومناطق بأكملها بعد أن سويت بالأرض.
لهذا، فإنه وفق المفهوم الروسي، يُعتبر إلصاق صفة “الإرهاب” من أقصر الطرق لتحقيق مصالحها في سوريا، من خلال إبادة الشعب السوري وتدمير مدنه وبلداته، وإن هذه الصفة ذات تأثير كبير على المزاج الدولي الذي أصيب بالسُكر حين سماع مصطلح “الإرهاب”، وهو ما يجعل كل المؤسسات الدولية على كافة الأصعدة والمستويات، هي مجرد أسماء لا طائل منها في رفع الظلم عن الأبرياء، سواء في سوريا أو غيرها.