بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية التي تعصف بسوريا عامة وبمناطق سيطرة نظام الأسد خاصة، أطلقت روسيا تصريحا على لسان أحد مسؤوليها أثار العديد من إشارات الاستفهام وحتى علامات الاستغراب بين مراقبين للوضع الاقتصادي السوري.
ففي وقت نفى فيه المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، نائب وزير الخارجية “ميخائيل بوغدانوف” صحة التقارير الإعلامية التي تتحدث عن أن سوريا مدينة لروسيا بـ 3 مليارات دولار، أكد في الوقت ذاته أن ” دمشق مدينة لموسكو، لكنه أشار إلى أن المبلغ المذكور لا علاقة له بحجم الدين الحقيقي”.
وتأتي تلك التصريحات الروسية عقب تقرير نشرته صحيفة “التايمز” البريطانية، أواخر شهر آب/أغسطس الماضي، تحدثت فيه عن “خلاف قائم بين رأس النظام بشار الأسد وابن خالته رجل الأعمال الشهير رامي مخلوف، الأمر الذي دفع ببشار الأسد لاتخاذ إجراءات ضد مخلوف عقب مطالبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين له بدفع فاتورة مشاركة بلاده في الحرب والتي تقدر بـثلاثة مليارات دولار، موضحا أنه إذا كانت سوريا لا تملك هذا المبلغ فإن عائلة مخلوف تملكه بكل تأكيد”.
ويرى مراقبون أنه ليس هناك دخان من دون نار كما يقال، في إشارة إلى تلك التلميحات الروسية بخصوص الديون التي لها بذمة رأس النظام بشار الأسد، ما يطرح تساؤلات عن حقيقة وحجم تلك الديون ؟ والأهم كيف سيتمكن نظام الأسد من تسديدها.
المحلل السياسي “مصطفى النعيمي” رأى في حديثه لـ SY24 أن ” الديون التي لروسيا على النظام هي عسكرية في معظمها وهي غير معلنة، وقد تتنازل إيران وروسيا عن جزء من مكتسباتها في الثروة السورية مقابل النفط والغاز والكهرباء، مقدرا في الوقت حجم الديون الروسية على سوريا “والتي تتراوح بين 30 إلى 50 مليار دولار”.
وأضاف أن “نظام الأسد ليس لديه موارد ليسد تلك الالتزامات الاقتصادية، في حين أنه وبالتعاون مع روسيا يعمل جاهدا لاستعادة المعابر الحدودية وفتح البعض الآخر منها، وذلك للحيلولة من أجل سد العجز المتنامي في خزينة الدولة ومن ثم الانتقال إلى دفع ما يترتب عن قيمة الصفقات العسكرية التي تبرمها حكومة نظام الأسد مع روسيا”.
وتابع أن “نظام الأسد يسعى أيضا من أجل تأجير الموانئ البحرية وقد أبرم صفقات لقرابة الخمسون عاما مع الروس ومن ثم مع إيران، في محاولة لسد العجز المتنامي، لكن ذلك لن ينقذ نظام الأسد من الانهيار والنزيف الاقتصادي، إلا أنه من الممكن أن يساهم في تأخير الانهيار لا غير”.
في حين كان لرئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار “علي رشيد الحسن” وجهة نظر أخرى فيما يتعلق بالديون المتراكمة لروسيا على سوريا.
وقال المحامي “الحسن” لـ SY24 إن ” روسيا قررت دخول الحرب في سورية بشكل علني للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية بكامل قواتها العسكرية، بعد أن كانت مقتصرة سابقا على تصدير الأسلحة والمساعدات اللوجستية”.
ورأى أن ” روسيا كانت تطمح إلى الاستفادة من موقع سورية الحيوي والسيطرة على سوق الغاز عالميا وحصة الأسد في السوق الأوروبية والهيمنة على السياسة الأوروبية والتحكم بعبور الأنابيب التي قد تمر في سورية مستقبلا”.
وأضاف أن “هذا بدا واضحا منذ بداية الحراك الثوري السلمي نحو الديمقراطية في سورية آذار 2011، إذ بدأت تتغير الموازين من يقدم التنازلات ومن يسعى الى تلك التنازلات ومن يقبلها، في حين بدأ رأس النظام السوري بتقديم التنازلات للروس و تكبيل البلاد بعقود طويلة الأمد، منها الطاقة وإعادة الأعمار والتنقيب عن النفط والغاز في الساحل السوري، وقطاع النقل واستثمار ميناء اللاذقية واستثمار مطار دمشق الدولي”.
وقال إنه ” كلما كانت هذه العقود والمواثيق طويلة الأجل كل ما كانت أرباح روسيا كبيرة وخسائر الشعب السوري أكبر، كونها تعطي الحق لروسيا في التنقيب واستخراج النفط والغاز في كل سورية”.
وختم بالقول “أرى من وجهة نظري القانونية إذا كانت العقود والمواثيق التي أبرمها رأس النظام السوري ونظامه بعد أذار 2011 لروسيا تلزم السوريين قانونيا بحكم أنه لا زال لديه سفارات في العالم وخاصة في الأمم المتحدة، لكن تلك العقود والمواثيق منوطة بالحل السياسي والقوة التفاوضية لوفد المعارضة، لذلك علينا ملاحقة روسيا قضائيا بجرائم الحرب التي ارتكبوها في سورية وجرائم ضد الإنسانية وهي موثقة والمطالبة بتعويض لأسر الشهداء والمعاقين والمتضررين الذين فقدوا ممتلكاتهم وأرزاقهم وهذه ستكون أضعاف مضاعفة لما أبرمه رأس النظام المجرم مع الروس”.
و في ظل التأكيدات الروسية بأن لها ديون بذمة رأس النظام بشار الأسد، أشار مراقبون إلى أن “روسيا وفي منتصف شهر آب/أغسطس الماضي، قامت بشطب ديونها على نظام الأسد مقابل صفقات”، ما يجعل الأمر أشدّ غرابة في ظل التباين بالتصريحات.
وأكد ذلك ما نقله موقع اقتصاد” عن وسائل إعلام روسية قولها إن “روسيا شطبت ديونها على النظام السوري نهاية العام الماضي ، مقابل إبرام صفقات في مجالات عدة مثل البناء والنفط والغاز” .
وحسب ذات المصادر الروسية ، فإن “بيلاروسيا تصدرت لائحة الدول الأكثر مديونية لروسيا بقيمة 7.6 مليار دولار، تليها في المرتبة الثانية أوكرانيا بـ3.7 مليار، ففنزويلا بـ3.5 مليار”.
ولفتت المصادر إلى أن “روسيا كانت قد شطبت في كانون الأول الماضي ، ديون ثلاثة دول عربية هي العراق بقيمة 21.5 مليار دولار، وسوريا 9.8 مليار، والجزائر 4.7 مليار دولار ، وجميعها كانت مقابل صفقات في مجال الطاقة”.