تشتكي عزيزة الهليل ذات الست سنوات، من إصابتها بالليشمانيا في يدها، مايسبب لها أزمة نفسية وحركية، خاصة وأنها تقطن وأهلها في مخيم قرب مدينة الأتارب يفقتر لكثير من الخدمات الأساسية، وتدرس في الصف الثاني في مدرسة بريف حلب الغربي.
ليست عزيزة وحدها من يشتكي الإصابة بالليشمانيا، بل بات الوباء يشكل خطرًا كبيرًا على الأهالي في منطقة ريف حلب الغربي خاصة مع ازدياد عدد السكان نتيجة موجات النزوح الأخيرة من أرياف حماه الشمالية وإدلب الجنوبية، مع افتقار لطرق مكافحة (ذبابة الرمل) العامل الناقل لطفيليات الليشمانيا أو مايعرف بـ (حبة حلب).
يقول أحمد علي وهو معلم عزيزة من مدينة الأتارب: “لاحظنا ازدياد عدد حالات الإصابة في اللشمانيا بين الطلاب، وخصوصًا مع تزايد كميات النفايات الملقاة على أطراف البلدات دون ترحيلها أو حرقها، وتعد عزيزة إحدى الحالات التي تزداد صعوبة، حيث تعاني من إصابة في يدها وتعاني منها بشكل كبير، وقد اختار أهلها معالجتها بشكل بدائي جدًا نظرًا لضعف إمكانياتهم المادية وعدم وجود مراكز صحية قريبة من المخيم”.
يضيف الأستاذ أحمد في حديث إلى SY24 : “في بعض الأحيان تجدها منعزلة عن رفاقها وهم بدورهم يبتعدون عنها كي لا تنتقل لهم العدوى، ونحن بدورنا كمعلمين في المدارس نقترح تفعيل دور المراكز الصحية وزيارتهم للمدارس وتقديم فحوصات وخدمات للطلاب, كما ننوه بدور الأهالي بالمحافظة على نظافة أبنائهم كي لا تنتشر هذه الآفة بين الأطفال”.
يناشد مسؤولو التعليم في ريف حلب الغربي الجهات المعنية والمنظمات الطبية بالتدخل الفوري لمنع تفاقم هذه الكارثة الصحية خاصة أن المدارس والطلاب في خطر انتقال العدوى لهم، يقول محمد فيصل الإبراهيم مشرف المجمع التربوي في الأتارب وريفها الذي يضم 150 مدرسة: “معظم المدارس التابعة للمجمع التربوي فيها إصابات من أمراض سارية ومضرة للأطفال من قمل وجرب ولشمانيا، وفي الحقيقة هذه الآفات مستعصية وتزداد سوءاً ضمن مدارسنا بسبب قلة المياه والفقر المنتشر بين الأهالي وقلة المنظفات وانتشار الحشرات التي تنقل الأمراض، وبالتالي هذه الآفات المنتشرة لا يوجد لها متابعة من منظمات ومديريات الصحة نظراً لضعف إمكانياتهم وغياب الدعم عنهم”.
وأشار الإبراهيم إلى أن: “عدد الإصابات في مدارس منطقة الأتارب قد بلغ نحو 5000 إصابة بالقمل و300 إصابة بمرض الجرب و800 إصابة باللشمانيا منهم نحو 360 إصابة للطالبات الإناث و440 إصابة للطلاب الذكور، نسبة إصابة الذكور أكبر بعض الشيء نظرًا لكون الذكور أكثر عرضة للإصابة نتيجة اللعب في الأماكن المكشوفة”.
تشير (منظمة الصحة العالمية) إلى أن داء الليشمانيا الجلدي ينتشر في سورية بصورة كبيرة وخاصة في المنطقة الشمالية، وصرح المتحدث باسم المنظمة الدولية في سورية طارق جاسارفيتش إلى أن المنظمة وثقت 58 ألف حالة عام 2017، فيما شهد عام 2018 ارتفاعًا بنسبة الإصابات تتراوح من 30 إلى 40 بالمئة”، وفق مانقلت عنه شبكة (SciDev)، كما وثقت وزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة عام 2018 في شمال ووسط سورية نحو 50 ألف حالة إصابة بالليشمانيا، ووثقت منظمة MONITOR العاملة شمال سورية عدد المصابين بالداء في شهر آذار من عام 2018 بـ 35 ألف حالة.
يقول محمود سعيد الشيخ المسؤول عن مكافحة اللشمانيا في مركز الجينة الصحي التابع لمديرية صحة حلب الحرة: “اللشمانيا هي مرض طفيلي المنشأ ينتقل عن طريق ذبابة الرمل ويعد من الأمراض الجلدية التي تصيب جميع الناس في المناطق الحارة والمعتدلة، وتتواجد هذه الآفة في حظائر الحيوانات والأماكن المهجورة والمياه الملوثة”.
أضاف الشيخ: “نحن نقوم بإعطاء جرعات اللشمانيا والتي تكون إما عضلية أو موضعية في مكان الإصابة، ولكن ومع تزايد انتشار هذه الآفة تعاني المراكز الصحية بشكل عام من نقص حاد في الأدوية اللازمة وهي مادة (الغلوكانتيم) و (البنتوستام)، ونتمنى من المهتمين والعاملين في مجال مكافحة اللشمانيا والقمل تسليط الضوء وتزويد المراكز الصحية بالعلاج “.
تقرير نشرته +SY قبل عدة أشهر عن محاولة علاج اللشمانيا في مدينة الباب بريف حلب
أما عن دور منظمات المجتمع المدني قال ناصيف ناصيف مسؤول قسم بناء القدرة في (شبكة حراس الطفولة)، وهي منظمة محلية تعمل في مجال حماية الطفل: “منذ عدة أشهر وصلتنا أنباء عن انتشار كبير لمرض اللشمانيا بين أطفال مدارس ريف حلب الغربي، حيث تمت المباشرة بعمل إحصائية للمدارس التي تعمل الشبكة معها ضمن مشروع مناهل”.
يضيف ناصيف: ” أحصينا نحو 600 إصابة باللشمانيا ضمن الطلاب منهم حوالي 350 ذكر و250 أنثى وحوالي 2000 طفل مصاب بالقمل، ونبحث حاليًا عن حلول واقعية لتقديم الاستجابة والعلاج لهؤلاء الأطفال”.
أشار ناصيف إلى أن الشبكة قررت -بسبب تردي الوضع الصحي- العمل بشكل خاص والتواصل مع المراكز الصحية المدعومة من منظمة MONITOR وتم التنسيق معهم لتقديم العلاج للأطفال حسب خطة العمل وضمن المراكز الصحية، مضيفًا: “قمنا بنقل الطلاب المصابين من المدارس الى المراكز الصحية حيث تم استيفاء الخطة الأولية ونقل الطلاب المصابين للمراكز الصحية لإجراء الكشوفات والفحوصات الطبية اللازمة لهم وتقديم العلاج لهم للمرة الأولى ووضع جدول زمني لمراجعتهم حتى يتم شفاؤهم بالكامل”.
أهم المعوقات التي تواجه المنظمات في عملية تقديم الدعم والعلاج للمصابين هي: تأمين كادر طبي يقوم بزيارة المدارس لتقديم خدمات طبية للطلاب، وذلك بسب قلة عدد الكوادر الطبية في الشمال السوري، من حيث أن توقفهم عن عملهم أثناء توجههم الى المدارس قد يحرم آخرين من العلاج، إضافة إلى النقص والصعوبة في تأمين العلاج اللازم بالسرعة اللازمة.
كما تشير المنظمات التي تحاول تقديم الدعم لهؤلاء الأطفال إلى أن هذا الوباء لايمكن مكافحته فقط بتقديم العلاج فقط لهؤلاء الأطفال بل العمل على ردم البؤرة الحاضنة لهذا المرض وتنظيف المناطق المحررة وردم المستنقعات والآبار الملوثة ورش المبيدات الحشرية.
هذا النقص في الخدمات اللازمة لمكافحة داء الليشمانيا في مناطق الشمال السوري، يضع المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية أمام مسؤوليتاتها بشكل مباشر، وخاصة أن (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) في المادة 25 يشير إلى أن “لكل شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية”، كما تشير المادة 24 من (اتفاقية حقوق الطفل) الموقعة عام 1989 إلى أن الدول الأطراف تعترف بـ: “حق الطفل في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه وبحقه في مرافق علاج الأمراض وإعادة التأهيل الصحي، وتبذل قصارى جهدها لضمان ألا يحرم أي طفل من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية”.
تواصلت SY24 مع عدد من أهل الخبرة في المنطقة لمحاولة إيجاد حلول لانتشار هذا الوباء، حيث أشاروا إلى أن هناك نباتات العطرية طاردة للحشرات مثل نبتة (اللكية)، يقول المهندس الزراعي سامر الحسن مشرف الفريق الزراعي لدى مؤسسة (مسرات): “من المحبّذ استخدام الوسائل الصحية التي لاتضر في البيئة لمكافحة الحشرات الناقلة للأمراض وخاصة الليشمانيا مثل اللكية والريحان والخزامى و عشب الزعتر، وهي نباتات يمكن أن وضعها على أبواب أو نوافذ أو حدائق المنزل وكذلك زراعتها في باحات المدارس، وبسبب روائحها العطرية الحشرات تهرب ولاتقترب منها”.
أضاف الحسن: “نبتة اللكية أو ماتعرف بالخبيزة المزهرة لها فوائد كثيرة في طرد بعوضة اللشمانيا التي تشكل خطرًا كبيرا على الأهالي بعد انتشار الأوبئة والفضلات نتيجة ضعف الإمكانيات والخدمات بسبب ظروف الحرب التي تشهدها المنطقة، وهي نبتة تعيش طوال السنة ولا تتأثر بتقلبات الطقس لذلك ننصح بزراعتها في المنازل والأماكن العامة لطرد الحشرات وتقليل خطر الإصابة بهذه الأوبئة”.
نتنظر عزيزة حلًا عمليًا وتدخلًا من المنظمات المعنية من أجل معالجتها وكذلك الوقوف دون انتشار الوباء بين أطفال آخرين، إلا أن الأوضاع سوءًا في مناطق الشمال السوري نتيجة ازدياد عدد النازحين وقلة الخدمات الطبية المقدمة من المنظمات الدولية التي قرر بعضها إيقاف العمل في المنطقة، فيما مازالت بعض الجهات المحلية تقوم بجهود متواضعة مكافحة داء الليشمانيا منعًا لانتشاره بشكل أكبر.
تم إنتاج هذه القصة الصحفية بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان الكندية (JHR)، وصندوق الأمم المتحدة للديمقراطية ( UNDEF).