تشهد الغوطة الشرقية القريبة من العاصمة دمشق اليوم أصعب أيامها منذ بداية الثورة المسلحة بعد محاولات ميليشيات شيعية مدعومة بالطيران الروسي السيطرة عليها بسيناريو يحاكي أحداث حلب وتهجير أهلها لتأمين محيط العاصمة، وليتسنى للنظام الانتقال لمواقع جديدة قد لا تشكل عليه الخطر المحدق، كالذي تشكله الغوطة اليوم.
منذ نحو عام تقريبًا بعدما أطلق الثوار في شرق دمشق معركة تهدف لربط الأحياء الدمشقية المحاصرة بحي جوبر المتصل بالغوطة الشرقية، لتهدد إحدى قلاع النظام في قلب دمشق؛ (ملعب وساحة العباسيين) بات النظام قلقاً من تمكن فصائل الغوطة التقدم نحو مفاصله وتحجيم وجوده.
معركة النظام المستمرة التي تجاهلت كل الاتفاقيات من مناطق خفض التصعيد ووقف الأعمال العدائية التي بدورها عرقلت كل الاتفاقات السابقة، أكدت أن النظام ماض في سياسته العسكرية، وغير آبه بالجهود السياسية التي يبذلها المجتمع الدولي بحجج قد تكون إحداهما وجود هيئة تحرير الشام التي أبدت موافقتها مع بدء استهداف احياء الغوطة الخروج إلى الشمال السوري.
لكن النظام ضرب بكل الاتفاقيات عرض الحائط، محاولاً عبر تجاهله مقترحات الفصائل المسيطرة هناك لإعادة إنتاج نفسه من جديد، والإثبات للجميع أنه قادر على فرض السيطرة على كل المناطق الخارجة عن سيطرته بالحسم العسكري والقضاء على الفصائل، متخذاً من أهالي الغوطة واستمراره في قتلهم ورقة الضغط لتهجير جميع ساكنيها.
وبحسب المعادلات المطروحة من حسم النظام عسكرياً ورفض جيش الإسلام وفيلق الرحمن رفض سياسة التهجير المطروحة عليهم ونوايا كل طرف؛ يبقى الطرح الوحيد أن لا اتفاق على شيء ما دام ليس هناك اتفاق على كل شيء، وحسب هذه المعادلة فإن المفاوضات باتت تدور في حلقة مفرغة لا يمكن الخروج منها بسبب إصرار كل طرف على نقاطه.
ومع استمرار الحملة العسكرية الشرسة على الغوطة قد تكون الفصائل أمام خيار وحيد هو الأصعب نوعاً ما، لكن قد يكون الورقة الرابحة الوحيدة بيدهم، وهي أن “دمشق ساحة لهم” لا سيما أنها تنعم بالهدوء والاستقرار، ولا تبعد الكثير عنهم. بينما تركز قوات النظام هجومها من الجهة الشرقية للغوطة نظراً لاستعصاء تقدم الميليشيات من الجهة الغربية، وتحويل المعركة من مرحلة الصد إلى مرحلة الهجوم وكسر دفاعات القوات المتمركزة على أطرافها من جهة القابون وجوبر للوصول على أقل تقدير إلى ساحة العباسيين وتبدأ بعدها حرب الشوارع التي قد تكون الفصائل الأجدر لمثلها.
معركة حي الميدان خير دليل في 2013 بعد أن تسببت بهلع كبير في أركان النظام بالرغم من أن عدد الثوار حينها لم يتجاوز العشرات، واستطاعوا شل حركة قلب العاصمة لعدة أيام.
من المرجح ألا تنجح الفصائل من ذلك، لكن ستكون ذا وقع كبير على أركان النظام ومحرجة إلى حد كبير، لا سيما للحليف الروسي الذي يدعي إصراره قدماً في القضاء على من أسماهم الإرهاب، إلا أنهم قادرين لتذكير النظام وإيران وروسيا والمفاوضات في جنيف وآستانة وأصنام المفاوضات.
إن الثورة مع انتهاء عامها السابع مستمرة، ولا خيار ولا قبول للمحتل الروسي والإيراني ولا ببشار الأسد ونظام حكمه.
وإذا كان العالم بأسره صم آذانه لم تحركه دماء أطفال الغوطة وعمليات التهجير في مناطق عديدة من سوريا فإن الثوار يتحركون ويقفون بوجه كل من يحاول اقتلاع جذورهم من أرضهم مسقط رأسهم، وأن الحرب جولات ولابد من ذاك اليوم الذي سيعيد للثوار ثورتهم ويدخلوا فيه عاصمتهم دمشق فاتحين محررين من جميع رعاع الارض الذي أتوا غزاة جاثمين على صدور السوريين.